الْقِبْلَةَ وَدَعَا وَدَعَوْا مَعَهُ، (وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ أَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنَا شَرَّ زِيَادٍ) . فَخَرَجَتْ طَاعُونَةٌ عَلَى أُصْبُعِ يَمِينِهِ فَمَاتَ مِنْهَا. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا شُرَيْحًا الْقَاضِيَ فَقَالَ لَهُ: قَدْ حَدَثَ مَا تَرَى وَقَدْ أُمِرْتُ بِقَطْعِهَا فَأَشِرْ عَلَيَّ: فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ قَدْ دَنَا فَتَلْقَى اللَّهَ أَجْذَمَ وَقَدْ قَطَعْتَ يَدَكَ كَرَاهِيَةَ لِقَائِهِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَجَلِ تَأْخِيرٌ فَتَعِيشُ أَجْذَمَ وَتُعَيَّرُ وَلَدُكَ: فَقَالَ: لَا أَبِيتُ وَالطَّاعُونَ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، فَخَرَجَ شُرَيْحٌ مِنْ عِنْدِهِ، فَسَأَلَهُ النَّاسُ، فَأَخْبَرَهُمْ، فَلَامُوهُ وَقَالُوا: هَلَّا أَشَرْتَ بِقَطْعِهَا؟ فَقَالَ: الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ.
وَأَرَادَ زِيَادٌ قَطْعَهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى النَّارِ وَالْمَكَاوِي جَزِعَ وَتَرَكَهُ، وَقِيلَ: بَلْ تَرَكَهُ لَمَّا أَشَارَ عَلَيْهِ شُرَيْحٌ بِتَرْكِهِ، وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لَهُ ابْنُهُ: قَدْ هَيَّأْتُ لَكَ سِتِّينَ ثَوْبًا أُكَفِّنُكَ بِهَا. فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ قَدْ دَنَا مِنْ أَبِيكَ لِبَاسٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْ لِبَاسِهِ هَذَا أَوْ سَلْبٌ سَرِيعٌ! فَمَاتَ فَدُفِنَ بِالثُّوَيَّةِ إِلَى جَانِبِ الْكُوفَةِ.
فَلَمَّا بَلَغَ مَوْتُهُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: اذْهَبِ ابْنَ سُمَيَّةَ، لَا الْآخِرَةَ أَدْرَكْتَ وَلَا الدُّنْيَا بَقَيْتَ عَلَيْكَ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ إِحْدَى مِنَ الْهِجْرَةِ، قَالَ مِسْكِينٌ الدَّارِمِيُّ يَرْثِيهِ:
رَأَيْتُ زِيَادَةَ الْإِسْلَامِ وَلَّتْ ... جِهَارًا حِينَ وَدَّعَنَا زِيَادُ
فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ يُجِيبُهُ، وَلَمْ يَكُنْ هَجَا زِيَادًا حَتَّى مَاتَ:
أَمَسْكَيْنُ أَبْكَى اللَّهُ عَيْنَيْكَ إِنَّمَا ... جَرَى فِي ضَلَالٍ دَمْعُهَا فَتَحَدَّرَا
بَكَيْتَ امْرَأً مِنْ أَهْلِ مَيْسَانَ كَافِرًا ... كَكِسْرَى عَلَى عِدَّانِهِ أَوْ كَقَيْصَرَا
أَقُولُ لَهُ لَمَّا أَتَانِي نَعِيُّهُ ... بِهِ لَا بِظَبْيٍ بِالصَّرِيمَةِ أَعْفَرَا
وَكَانَ زِيَادٌ فِيهِ حُمْرَةٌ، وَفِي عَيْنِهِ الْيُمْنَى انْكِسَارٌ، أَبْيَضَ اللِّحْيَةِ مَخْرُوطَهَا، عَلَيْهِ قَمِيصٌ رُبَّمَا رَقَّعَهُ.