51 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ
وَفِيهَا كَانَ مَشْتَى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِأَرْضِ الرُّومِ، وَغَزْوَةُ بُسْرِ بْنِ أَبِي أَرْطَاةَ الصَّائِفَةَ.
ذِكْرُ مَقْتَلِ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ وَعَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ وَأَصْحَابِهِمَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ وَأَصْحَابُهُ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ اسْتَعْمَلَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَلَى الْكُوفَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، فَلَمَّا أَمَّرَهُ عَلَيْهَا دَعَاهُ وَقَالَ لَهُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِذِي الْحِلْمِ قَبْلَ الْيَوْمِ مَا تُقْرِعُ الْعَصَا، وَقَدْ يُجْزِي عَنْكَ الْحَكِيمُ بِغَيْرِ التَّعْلِيمِ، وَقَدْ أَرَدْتُ إِيصَاءَكَ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ أَنَا تَارِكُهَا اعْتِمَادًا عَلَى بَصَرِكَ، وَلَسْتُ تَارِكًا إِيصَاءَكَ بِخَصْلَةٍ: لَا تَتْرُكُ شَتْمَ عَلِيٍّ وَذَمَّهُ، وَالتَّرَحُّمَ عَلَى عُثْمَانَ وَالِاسْتِغْفَارَ لَهُ، وَالْعَيْبَ لِأَصْحَابِ عَلِيٍّ وَالْإِقْصَاءَ لَهُمْ، وَالْإِطْرَاءَ بِشِيعَةِ عُثْمَانَ وَالْإِدْنَاءَ لَهُمْ، فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ: قَدْ جَرَّبْتُ وَجَرَّبْتُ، وَعَمِلْتُ قَبْلَكَ لِغَيْرِكَ فَلَمْ يَذْمُمْنِي، وَسَتَبْلُو فَتَحْمَدُ أَوْ تَذُمُّ. فَقَالَ: بَلْ نَحْمَدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَأَقَامَ الْمُغِيرَةُ عَامِلًا عَلَى الْكُوفَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ سِيرَةً، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَدَعُ شَتْمَ عَلِيٍّ وَالْوُقُوعَ فِيهِ وَالدُّعَاءَ لِعُثْمَانَ وَالِاسْتِغْفَارَ لَهُ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: بَلْ إِيَّاكُمْ ذَمَّ اللَّهُ وَلَعَنَ! ثُمَّ قَامَ وَقَالَ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ تَذُمُّونَ أَحَقُّ بِالْفَضْلِ، وَمَنْ تُزَكُّونَ أَوْلَى بِالذَّمِّ. فَيَقُولُ لَهُ الْمُغِيرَةُ: يَا حُجْرُ اتَّقِ هَذَا السُّلْطَانَ وَغَضَبَهُ وَسَطْوَتَهُ، فَإِنَّ غَضَبَ السُّلْطَانِ يُهْلِكُ أَمْثَالَكَ، ثُمَّ يَكُفُّ عَنْهُ وَيَصْفَحُ.
فَلَمَّا كَانَ آخِرَ إِمَارَتِهِ قَالَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ مَا كَانَ يَقُولُهُ، فَقَامَ حُجْرٌ فَصَاحَ صَيْحَةً