الطَّاعَةِ لِعَلِيٍّ، فَأَمَرَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ لِلنَّاسِ بِأُعْطِيَّاتِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ، وَفَضَّلَا أَهْلَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَخَرَجَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ وَكَثِيرٌ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ حِينَ مَنَعُوهُمُ الْفُضُولَ، فَبَادَرُوهُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَأَكَبَّ عَلَيْهِمُ النَّاسُ، فَأَصَابُوا مِنْهُمْ، وَخَرَجُوا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى طَرِيقِ عَلِيٍّ. وَأَقَامَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا ثَأْرٌ إِلَّا حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ، وَكَتَبُوا إِلَى أَهْلِ الشَّامِ بِمَا صَنَعُوا وَصَارُوا إِلَيْهِ، وَكَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ بِمَا كَانَ مِنْهُمْ، وَتَأْمُرُهُمْ أَنْ يُثَبِّطُوا النَّاسَ عَنْ عَلِيٍّ، وَتَحُثُّهُمْ عَلَى طَلَبِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، وَكَتَبَتْ إِلَى أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَإِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِمَا كَانَ مِنْهُمْ أَيْضًا، وَسَيَّرَتِ الْكُتُبَ.
وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ.
وَبَايَعَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، فَلَمَّا بَايَعُوهُمَا قَالَ الزُّبَيْرُ: أَلَا أَلْفُ فَارِسٍ أَسِيرُ بِهِمْ إِلَى عَلِيٍّ، أَقْتُلُهُ بَيَاتًا أَوْ صَبَاحًا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْنَا! فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ لَلْفِتْنَةُ الَّتِي كُنَّا نُحَدَّثُ عَنْهَا. فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ: أَتُسَمِّيهَا فِتْنَةً وَتُقَاتِلُ فِيهَا؟ قَالَ: وَيْلَكَ! إِنَّا نُبَصَّرُ وَلَا نُبْصِرُ، مَا كَانَ أَمْرٌ قَطُّ إِلَّا وَإِنَّا أَعْلَمُ مَوْضِعَ قَدَمِي فِيهِ، غَيْرَ هَذَا الْأَمْرِ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي أَمُقْبِلٌ أَنَا فِيهِ أَمْ مُدْبِرٌ! وَقَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ اللِّيثِيُّ: لَمَّا خَرَجَ طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَائِشَةُ، رَأَيْتُ طَلْحَةَ وَأَحَبُّ الْمَجَالِسِ إِلَيْهِ أَخْلَاهَا وَهُوَ ضَارِبٌ بِلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَرَى أَحَبَّ الْمَجَالِسِ إِلَيْكَ أَخْلَاهَا وَأَنْتَ ضَارِبٌ بِلِحْيَتِكَ عَلَى صَدْرِكَ، إِنْ كَرِهْتَ شَيِئًا فَاجْلِسْ. قَالَ: فَقَالَ لِي: يَا عَلْقَمَةُ بَيْنَا نَحْنُ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ سِوَانَا إِذْ صِرْنَا جَبَلَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ يَطْلُبُ بَعْضُنَا بَعْضًا، إِنَّهُ كَانَ مِنِّي فِي عُثْمَانَ شَيْءٌ لَيْسَ تَوْبَتِي إِلَّا أَنْ يُسْفَكَ دَمِي فِي طَلَبِ دَمِهِ. قَالَ: فَقُلْتُ: فَرُدَّ ابْنَكَ مُحَمَّدًا، فَإِنَّ لَكَ ضَيْعَةً وَعِيَالًا، فَإِنْ يَكُ شَيْءٌ يَخْلُفْكَ. قَالَ: فَامْنَعْهُ. قَالَ: فَأَتَيْتُ مُحَمَّدًا ابْنَهُ فَقُلْتُ لَهُ: لَوْ أَقَمْتَ فَإِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ كُنْتَ تَخْلُفُهُ فِي عِيَالِهِ وَضَيْعَتِهِ. قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ الرُّكْبَانَ.
(يَعْلَى بْنُ مُنْيَةَ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَسُكُونِ النُّونِ، وَالْيَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ تَحْتِهَا، وَهِيَ