تَكَلَّمْ وَأَعْلِمِ النَّاسَ أَنَّ أَهْلَ مِصْرَ قَدْ رَجَعُوا، وَأَنَّ مَا بَلَغَهُمْ عَنْ إِمَامِهِمْ كَانَ بَاطِلًا قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ النَّاسُ إِلَيْكَ مِنْ أَمْصَارِهِمْ وَيَأْتِيَكَ مَا لَا تَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ. فَفَعَلَ عُثْمَانُ، فَلَمَّا خَطَبَ النَّاسَ قَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّكَ قَدْ رَكِبْتَ أُمُورًا وَرَكِبْنَاهَا مَعَكَ، فَتُبْ إِلَى اللَّهِ نَتُبْ. فَنَادَاهُ عُثْمَانُ: وَإِنَّكَ هُنَالِكَ يَا ابْنَ النَّابِغَةِ! قَمِلَتْ وَاللَّهِ جُبَّتُكَ مُنْذُ عَزَلْتُكَ عَنِ الْعَمَلِ! فَنُودِيَ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى: تُبْ إِلَى اللَّهِ. فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ تَائِبٍ!
وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى مَنْزِلِهِ بِفِلَسْطِينَ، وَكَانَ يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنِّي كُنْتُ لَأَلْقَى الرَّاعِيَ فَأُحَرِّضُهُ عَلَى عُثْمَانَ. وَأَتَى عَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ فَحَرَّضَهُمْ عَلَى عُثْمَانَ، (فَبَيْنَمَا هُوَ بِقَصْرِهِ بِفِلَسْطِينَ وَمَعَهُ ابْنَاهُ مُحَمَّدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ، وَسَلَامَةُ بْنُ رَوْحٍ الْجِذَامِيُّ إِذْ مَرَّ بِهِ رَاكِبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلَهُ عَمْرٌو عَنْ عُثْمَانَ، فَقَالَ: هُوَ مَحْصُورٌ. قَالَ عَمْرٌو: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَدْ يَضْرِطُ الْعِيرُ وَالْمِكْوَاةُ فِي النَّارِ. ثُمَّ مَرَّ بِهِ رَاكِبٌ آخَرُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: قُتِلَ عُثْمَانُ. فَقَالَ عَمْرٌو: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، إِذَا حَكَكْتُ قُرْحَةً نَكَأْتُهَا. فَقَالَ لَهُ سَلَامَةُ بْنُ رَوْحٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْعَرَبِ بَابٌ فَكَسَرْتُمُوهُ! فَقَالَ: أَرَدْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصِرَةِ الْبَاطِلِ لِيَكُونَ النَّاسُ فِي الْحَقِّ شَرَعًا سَوَاءً) .
وَقِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا رَجَعَ مِنْ عِنْدِ الْمِصْرِيِّينَ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ إِلَى عُثْمَانَ قَالَ لَهُ: تَكَلَّمْ كَلَامًا يَسْمَعُهُ النَّاسُ مِنْكَ وَيَشْهَدُونَ عَلَيْكَ، وَيَشْهَدُ اللَّهُ عَلَى مَا فِي قَلْبِكَ مِنَ النُّزُوعِ وَالْأَمَانَةِ، فَإِنَّ الْبِلَادَ قَدْ تَمَخَّضَتْ عَلَيْكَ، فَلَا آمَنُ أَنْ يَجِيءَ رَكْبٌ آخَرُ مِنَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ فَتَقُولَ: يَا عَلِيُّ ارْكَبْ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ رَأَيْتَنِي قَدْ قَطَعْتُ رَحِمَكَ وَاسْتَخْفَفْتُ بِحَقِّكَ. فَخَرَجَ عُثْمَانُ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الَّتِي نَزَعَ فِيهَا وَأَعْطَى النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ التَّوْبَةَ وَقَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنِ اتَّعَظَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِمَّا فَعَلْتُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَمِثْلِي نَزَعَ وَتَابَ، فَإِذَا نَزَلْتُ فَلْيَأْتِنِي أَشْرَافُكُمْ فَلْيَرَوْا فِيَّ رَأْيَهُمْ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ رَدَّنِي الْحَقُّ عَبْدًا لَأَسْتَنَّنَّ بِسُنَّةِ الْعَبْدِ وَلَأَذِلَّنَّ ذُلَّ الْعَبْدِ، وَمَا عَنِ اللَّهِ مَذْهَبٌ إِلَّا إِلَيْهِ، فَوَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكُمُ الرِّضَا وَلَأُنَحِّيَنَّ مَرْوَانَ وَذَوِيهِ، وَلَا أَحْتَجِبُ عَنْكُمْ! فَرَقَّ النَّاسُ وَبَكَوْا حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَبَكَى هُوَ أَيْضًا.
فَلَمَّا نَزَلَ عُثْمَانُ وَجَدَ مَرْوَانَ وَسَعِيدًا وَنَفَرًا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فِي مَنْزِلِهِ لَمْ يَكُونُوا شَهِدُوا