نَازِلًا عَلَى حَكِيمِ بْنِ جَبَلَةَ الْعَبْدِيِّ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ السَّوْدَاءِ، هُوَ الرَّجُلُ النَّازِلُ عَلَيْهِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَفَرٌ فَطَرَحَ إِلَيْهِمُ ابْنَ السَّوْدَاءِ وَلَمْ يُصَرِّحْ، فَقَبِلُوا مِنْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْنُ عَامِرٍ فَسَأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ: رَغِبْتُ فِي الْإِسْلَامِ وَفِي جِوَارِكَ. فَقَالَ: مَا يَبْلُغُنِي ذَلِكَ، اخْرُجْ عَنِّي. فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْكُوفَةَ فَأُخْرِجَ مِنْهَا، فَقَصَدَ مِصْرَ فَاسْتَقَرَّ بِهَا وَجَعَلَ يُكَاتِبُهُمْ وَيُكَاتِبُونَهُ وَتَخْتَلِفُ الرِّجَالُ بَيْنَهُمْ.
وَكَانَ حُمْرَانُ بْنُ أَبَانَ قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا فَفَرَّقَ عُثْمَانُ بَيْنَهُمَا وَضَرَبَهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَلَزِمَ ابْنَ عَامِرٍ، فَتَذَاكَرُوا يَوْمًا الْمُرُورَ بِعَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَالَ حُمْرَانُ: أَلَا أَسْبِقُكُمْ فَأُخْبِرُهُ؟ فَخَرَجَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ فَقَالَ: الْأَمِيرُ يُرِيدُ الْمُرُورَ بِكَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُعْلِمَكَ، فَلَمْ يَقْطَعْ قِرَاءَتَهُ، فَقَامَ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْبَابِ لَقِيَهُ ابْنُ عَامِرٍ فَقَالَ: [جِئْتُكَ] مِنْ عِنْدِ امْرِئٍ لَا يَرَى لِآلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ فَضْلًا، وَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُ عَامِرٍ فَأَطْبَقَ الْمُصْحَفَ وَحَدَّثَهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَامِرٍ: أَلَا تَغْشَانَا؟ فَقَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِي الْقَرْحَاءِ يُحِبُّ الشَّرَفَ. فَقَالَ: أَلَا نَسْتَعْمِلُكَ؟ فَقَالَ: حُصَيْنُ بْنُ الْحُرِّ يُحِبُّ الْعَمَلَ. فَقَالَ: أَلَا نُزَوِّجُكَ؟ فَقَالَ: رَبِيعَةُ بْنُ عَسَلٍ يُعْجِبُهُ النِّسَاءُ. فَقَالَ: إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّكَ لَا تَرَى لِآلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْكَ فَضْلًا! فَتَصَفَّحَ الْمُصْحَفَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33] .
فَسَعَى بِهِ حُمْرَانُ، وَأَقَامَ حُمْرَانُ بِالْبَصْرَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَأَذِنَ لَهُ عُثْمَانُ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ وَمَعَهُ قَوْمٌ، فَسَعَوْا بِعَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ أَنَّهُ لَا يَرَى التَّزْوِيجَ وَلَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ وَلَا يَشْهَدُ الْجُمُعَةَ، فَأَلْحَقَهُ بِمُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ رَأَى عِنْدَهُ ثَرِيدًا، فَأَكَلَ أَكْلًا عَرَبِيًّا، فَعَرَفَ أَنَّ الرَّجُلَ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ، فَعَرَّفَهُ مُعَاوِيَةُ سَبَبَ إِخْرَاجِهِ، فَقَالَ: أَمَّا الْجُمُعَةُ فَإِنِّي أَشْهَدُهَا فِي مُؤَخَّرِ الْمَجْلِسِ ثُمَّ أَرْجِعُ فِي أَوَائِلِ النَّاسِ، وَأَمَّا التَّزْوِيجُ فَإِنِّي خَرَجْتُ وَأَنَا يُخْطَبُ عَلَيَّ، وَأَمَّا اللَّحْمُ فَقَدْ رَأَيْتَ وَلَكِنِّي لَا آكُلُ ذَبَائِحَ الْقَصَّابِينَ مُنْذُ رَأَيْتُ قَصَّابًا يَجُرُّ شَاةً إِلَى مَذْبَحِهَا، ثُمَّ وَضَعَ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهَا فَمَا زَالَ يَقُولُ: النَّفَاقَ النَّفَاقَ، حَتَّى ذَبَحَهَا. قَالَ: فَارْجِعْ. قَالَ: لَا أَرْجِعُ إِلَى بَلَدٍ اسْتَحَلَّ أَهْلُهُ مِنِّي مَا اسْتَحَلُّوا، (فَكَانَ يَكُونُ) فِي السَّوَاحِلِ، فَكَانَ يَلْقَى مُعَاوِيَةَ فَيُكْثِرُ مُعَاوِيَةُ أَنْ يَقُولَ: مَا حَاجَتُكَ؟ فَيَقُولُ: لَا حَاجَةَ لِي. فَلَمَّا أَكْثَرَ