فَلَمَّا عَلِمَ عُثْمَانُ مِنَ الْوَلِيدِ شُرْبَ الْخَمْرِ عَزَلَهُ، وَوَلَّى سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَكَانَ سَعِيدٌ قَدْ رُبِّيَ فِي حِجْرِ عُمَرَ، فَلَمَّا فُتِحَ الشَّامُ قَدِمَهُ، فَأَقَامَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَذَكَرَ عُمَرُ يَوْمًا قُرَيْشًا، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ بِالشَّامِ، فَاسْتَقْدَمَهُ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ بَلَاءٌ وَصَلَاحٌ فَازْدَدْ يَزِدْكَ اللَّهُ خَيْرًا. وَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ مِنْ زَوْجَةٍ؟ قَالَ: لَا. وَجَاءَ عُمَرَ بَنَاتُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ وَمَعَهُنَّ أُمُّهُنَّ، فَقَالَتْ أُمُّهُنَّ: هَلَكَ رِجَالُنَا وَإِذَا هَلَكَ الرِّجَالُ ضَاعَ النِّسَاءُ، فَضَعْهُنَّ فِي أَكْفَائِهِنَّ. فَزَوَّجَ سَعِيدًا إِحْدَاهُنَّ، وَزَوَّجَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُخْرَى. وَأَتَاهُ بَنَاتُ مَسْعُودِ بْنِ نُعَيْمٍ النَّهْشَلِيُّ فَقُلْنَ لَهُ: قَدْ هَلَكَ رِجَالُنَا وَبَقِيَ الصِّبْيَانُ، فَضَعْنَا فِي أَكْفَائِنَا، فَزَوَّجَ سَعِيدًا إِحْدَاهُنَّ، وَجُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ الْأُخْرَى. وَكَانَ عُمُومَتُهُ ذَوِي بَلَاءٍ فِي الْإِسْلَامِ وَسَابِقَةٍ، فَلَمْ يَمُتْ عُمَرُ حَتَّى كَانَ سَعِيدٌ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ. فَلَمَّا اسْتَعْمَلَهُ عُثْمَانُ سَارَ حَتَّى أَتَى الْكُوفَةَ أَمِيرًا، وَرَجَعَ مَعَهُ الْأَشْتَرُ، وَأَبُو خَشَّةَ الْغِفَارِيُّ وَجُنْدَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَثَّامَةُ بْنُ صَعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، وَكَانُوا مِمَّنْ شَخَصَ مَعَ الْوَلِيدِ يُعِينُونَهُ فَصَارُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ الْكُوفَةِ:
فَرَرْتُ مِنَ الْوَلِيدِ إِلَى سَعِيدٍ ... كَأَهْلِ الْحِجْرِ إِذْ جَزِعُوا فَبَارُوا
يَلِينَا مِنْ قُرَيْشٍ كُلَّ عَامٍ ... أَمِيرٌ مُحْدَثٌ أَوْ مُسْتَشَارٌ
لَنَا نَارٌ نُخَوَّفُهَا فَنَخْشَى ... وَلَيْسَ لَهُمْ، فَلَا يَخْشَوْنَ، نَارُ
فَلَمَّا وَصَلَ سَعِيدٌ الْكُوفَةَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ وَإِنِّي لَكَارِهٌ، وَلَكِنِّي لَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذَا أُمِّرْتُ أَنْ أَتَّمِرَ، أَلَا إِنَّ الْفِتْنَةَ قَدْ أَطْلَعَتْ خَطْمَهَا وَعَيْنَيْهَا، وَوَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ وَجْهَهَا حَتَّى أَقْمَعَهَا أَوْ تُعْيِينِي، وَإِنِّي لَرَائِدٌ نَفْسِيَ الْيَوْمَ.
ثُمَّ نَزَلَ وَسَأَلَ عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَعَرَفَ حَالَ أَهْلِهَا، فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَدِ اضْطَرَبَ أَمْرُهُمْ، وَغُلِبَ أَهْلُ الشَّرَفِ مِنْهُمْ وَالْبُيُوتَاتِ وَالسَّابِقَةِ، وَالْغَالِبُ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ رَوَادِفُ قَدِمَتْ، وَأَعْرَابٌ لَحِقَتْ، حَتَّى لَا يُنْظَرَ إِلَى ذِي شَرَفٍ وَبَلَاءٍ مِنْ نَابِتَتِهَا وَلَا نَازِلَتِهَا.