وَقَالَ لِصُهَيْبٍ: صَلِّ بِالنَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَدْخِلْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ بَيْتًا وَقُمْ عَلَى رُءُوسِهِمْ، فَإِنِ اجْتَمَعَ خَمْسَةٌ وَأَبَى وَاحِدٌ فَاشْدَخْ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ، وَإِنِ اتَّفَقَ أَرْبَعَةٌ وَأَبَى اثْنَانِ فَاضْرِبْ رُءُوسَهُمَا، وَإِنْ رَضِيَ ثَلَاثَةٌ رَجُلًا وَثَلَاثَةٌ رَجُلًا فَحَكِّمُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَكُونُوا مَعَ الَّذِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَاقْتُلُوا الْبَاقِينَ إِنْ رَغِبُوا عَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ النَّاسُ.
فَخَرَجُوا، فَقَالَ عَلِيٌّ لِقَوْمٍ مَعَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: إِنْ أُطِيعَ فِيكُمْ قَوْمُكُمْ لَمْ تُؤَمَّرُوا أَبَدًا، وَتَلَقَّاهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: عَدَلْتَ عَنَّا! فَقَالَ: وَمَا عِلْمُكَ؟ قَالَ: قُرُّنَّ بَنِي عُثْمَانَ، وَقَالَ: كُونُوا مَعَ الْأَكْثَرِ، فَإِنْ رَضِيَ رَجُلَانِ رَجُلًا وَرَجُلَانِ رَجُلًا فَكُونُوا مَعَ الَّذِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَسَعْدٌ لَا يُخَالِفُ ابْنَ عَمِّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ صِهْرُ عُثْمَانَ لَا يَخْتَلِفُونَ فَيُوَلِّيهَا أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَلَوْ كَانَ الْآخَرَانِ مَعِي لَمْ يَنْفَعَانِي. فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: لَمْ أَرْفَعْكَ فِي شَيْءٍ إِلَّا رَجَعْتَ إِلَيَّ مُسْتَأْخِرًا لِمَا أَكْرَهُ، أَشَرْتُ عَلَيْكَ عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَسْأَلَهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ فَأَبَيْتَ، فَأَشَرْتُ عَلَيْكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَنْ تُعَاجِلَ الْأَمْرَ فَأَبَيْتَ، وَأَشَرْتُ عَلَيْكَ حِينَ سَمَّاكَ عُمَرُ فِي الشُّورَى أَنْ لَا تَدْخُلَ مَعَهُمْ فَأَبَيْتَ، احْفَظْ عَنِّي وَاحِدَةً: كُلَّمَا عَرَضَ عَلَيْكَ الْقَوْمُ فَقُلْ: لَا، إِلَّا أَنْ يُوَلُّوكَ، وَاحْذَرْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ فَإِنَّهُمْ لَا يَبْرَحُونَ يَدْفَعُونَنَا عَنْ هَذَا الْأَمْرِ حَتَّى يَقُومَ بِهِ لَنَا غَيْرُنَا، وَايْمُ اللَّهِ لَا يَنَالُهُ إِلَّا بَشَرٌ لَا يَنْفَعُ مَعَهُ خَيْرٌ! فَقَالَ عَلِيٌّ: أَمَا لَئِنْ بَقِيَ عُثْمَانُ لَأُذَكِّرَنَّهُ مَا أَتَى، وَلَئِنْ مَاتَ لَيَتَدَاوَلُنَّهَا بَيْنَهُمْ، وَلَئِنْ فَعَلُوا لَتَجِدَنِّي حَيْثُ يَكْرَهُونَ، ثُمَّ تَمَثَّلَ:
حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ عَشِيَّةً ... غَدَوْنَ خِفَافًا فَابْتَدَرْنَ الْمُحَصَّبَا
لَيَخْتَلِيَنْ رَهْطُ ابْنِ يَعْمَرَ قَارِنًا ... نَجِيعًا بَنُو الشُّدَّاخِ وِرْدًا مُصَلَّبًا
وَالْتَفَتَ فَرَأَى أَبَا طَلْحَةَ فَكَرِهَ مَكَانَهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: لَنْ تُرَاعَ أَبَا الْحَسَنِ.
فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ وَأُخْرِجَتْ جِنَازَتُهُ صَلَّى عَلَيْهِ صُهَيْبٌ، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ جَمَعَ الْمِقْدَادُ أَهْلَ الشُّورَى فِي بَيْتِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَقِيلَ: فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ: فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ بِإِذْنِهَا، وَطَلْحَةُ غَائِبٌ، وَأَمَرُوا أَبَا طَلْحَةَ أَنْ يَحْجُبَهُمْ، وَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَجَلَسَا بِالْبَابِ، فَحَصَبَهُمَا سَعْدٌ وَأَقَامَهُمَا وَقَالَ: تُرِيدَانِ أَنْ تَقُولَا: حَضَرْنَا وَكُنَّا فِي