فَيَغْضَبَ لِغَضَبِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ وَالْبِحَارُ، وَالْجِبَالُ؟ وَأَيُّوبُ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، فَلَمَّا خَرَجَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَى أَيُّوبَ: يَا أَيُّوبُ، سَكَتَّ عَنْ فِرْعَوْنَ لِذَهَابِكَ إِلَى أَرْضِهِ، اسْتَعِدَّ لِلْبَلَاءِ. فَقَالَ أَيُّوبُ: أَمَا كُنْتُ أَكْفُلُ الْيَتِيمَ وَأُؤْوِي الْغَرِيبَ، وَأُشْبِعُ الْجَائِعَ، وَأَكْفِي الْأَرْمَلَةَ؟ فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ يُسْمَعُ فِيهَا عَشَرَةُ آلَافٍ مِنَ الصَّوَاعِقِ يَقُولُونَ: مَنْ فَعَلَ بِكَ ذَلِكَ يَا أَيُّوبُ؟ فَأَخَذَ تُرَابًا فَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: أَنْتَ يَا رَبِّ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: اسْتَعِدَّ لِلْبَلَاءِ. قَالَ: فَدِينِي؟ قَالَ: أُسَلِّمُهُ لَكَ. قَالَ: فَمَا أُبَالِي.
وَقِيلَ: كَانَ السَّبَبُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهُوَ نَحْوٌ مِمَّا ذَكَرْنَا.
فَلَمَّا ابْتَلَاهُ اللَّهُ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْبَلَاءُ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنَّكَ رَجُلٌ مُجَابَ الدَّعْوَةِ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَكَ. فَقَالَ: كُنَّا فِي النَّعْمَاءِ سَبْعِينَ سَنَةً فَلْنَصْبِرْ فِي الْبَلَاءِ سَبْعِينَ سَنَةً، وَاللَّهِ لَئِنْ شَفَانِي اللَّهُ لَأَجْلِدَنَّكِ مِائَةَ جَلْدَةٍ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا أَقْسَمَ لَيَجْلِدَنَّهَا لِأَنَّ إِبْلِيسَ ظَهَرَ لَهَا وَقَالَ: بِمَ أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَكُمْ؟ قَالَتْ: بِقَدَرِ اللَّهِ. قَالَ: وَهَذَا أَيْضًا بِقَدَرِ اللَّهِ فَاتَّبِعِينِي، فَاتَّبَعَتْهُ، فَأَرَاهَا جَمِيعَ مَا ذَهَبَ مِنْهُمْ فِي وَادٍ، وَقَالَ: اسْجُدِي لِي وَأَرُدُّهُ عَلَيْكَمْ. فَقَالَتْ: إِنَّ لِي زَوْجًا أَسْتَأْمِرُهُ. فَلَمَّا أَخْبَرَتْ أَيُّوبَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ؟ لَئِنْ شُفِيتُ لَأَجْلِدَنَّكِ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَأَبْعَدَهَا، وَقَالَ لَهَا: طَعَامُكِ وَشَرَابُكِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَا أَذُوقُ مِمَّا تَأْتِينِي بِهِ شَيْئًا فَابْعُدِي عَنِّي فَلَا أَرَاكِ. فَذَهَبَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا رَأَى أَيُّوبُ أَنَّ امْرَأَتَهُ قَدْ طَرَدَهَا وَلَيْسَ عِنْدَهُ طَعَامٌ، وَلَا شَرَابٌ، وَلَا صَدِيقٌ خَرَّ سَاجِدًا، وَقَالَ: رَبِّ {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83] كَرَّرَ ذَلِكَ. فَقِيلَ لَهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقَدِ اسْتُجِيبَ لَكَ، {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42] ، وَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ جَسَدَهُ وَصُورَتَهُ.