الْوَفْدِ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَبُو مُوسَى، وَكَانَ أَبُو مُوسَى قَدِ اخْتَارَ مِنْ سَبْيِ بَيْرُوذَ سِتِّينَ غُلَامًا، فَانْطَلَقَ ضَبَّةُ إِلَى عُمَرَ شَاكِيًا، وَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ يُخْبِرُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ ضَبَّةُ عَلَى عُمَرَ سَلَّمَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: لَا مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا! فَقَالَ: أَمَّا الْمَرْحَبُ فَمِنَ اللَّهِ، وَأَمَّا الْأَهْلُ فَلَا أَهْلَ. ثُمَّ سَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا مُوسَى انْتَقَى سِتِّينَ غُلَامًا مِنْ أَبْنَاءِ الدَّهَاقِينِ لِنَفْسِهِ، وَلَهُ جَارِيَةٌ تُغَدَّى جَفْنَةً وَتُعَشَّى جَفْنَةً تُدْعَى عَقِيلَةَ، وَلَهُ قَفِيزَانِ وَلَهُ خَاتَمَانِ، وَفَوَّضَ إِلَى زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أُمُورَ الْبَصْرَةِ، وَأَجَازَ الْحُطَيْئَةَ بِأَلْفٍ.
فَاسْتَدْعَى عُمَرُ أَبَا مُوسَى. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ حَجَبَهُ أَيَّامًا، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ فَسَأَلَ عُمَرُ ضَبَّةَ عَمَّا قَالَ فَقَالَ: أَخَذَ سِتِّينَ غُلَامًا لِنَفْسِهِ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: دُلِلْتُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ لَهُمْ فِدَاءٌ فَفَدَيْتُهُمْ وَقَسَّمْتُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ ضَبَّةُ: مَا كَذَبَ وَلَا كَذَبْتُ. فَقَالَ: لَهُ قَفِيزَانِ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: قَفِيزٌ لِأَهْلِي أَقُوتُهُمْ بِهِ، وَقَفِيزٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَيْدِيهِمْ يَأْخُذُونَ بِهِ أَرْزَاقَهُمْ. فَقَالَ ضَبَّةُ: مَا كَذَبَ وَلَا كَذَبْتُ. فَلَمَّا ذَكَرَ عَقِيلَةَ سَكَتَ أَبُو مُوسَى وَلَمْ يَعْتَذِرْ. فَعَلِمَ أَنَّ ضَبَّةَ قَدْ صَدَقَهُ، قَالَ: وَوَلَّى زِيَادًا. قَالَ: رَأَيْتُ لَهُ رَأْيًا وَنُبْلًا فَأَسْنَدْتُ إِلَيْهِ عَمَلِي. قَالَ: وَأَجَازَ الْحُطَيْئَةَ بِأَلْفٍ. قَالَ: سَدَدْتُ فَمَهُ بِمَالِي أَنْ يَشْتُمَنِي. فَرَدَّهُ عُمَرُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ زِيَادًا وَعَقِيلَةَ، فَفَعَلَ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ زِيَادٌ سَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ وَعَطَائِهِ وَالْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ وَالْقُرْآنِ، فَرَآهُ فَقِيهًا، فَرَدَّهُ وَأَمَرَ أُمَرَاءَ الْبَصْرَةِ أَنْ يَسِيرُوا بِرَأْيِهِ، وَحَبَسَ عَقِيلَةَ بِالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ عُمَرُ: أَلَا إِنَّ ضَبَّةَ غَضِبَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَفَارَقَهُ مُرَاغِمًا أَنْ فَاتَهُ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، فَصَدَقَ عَلَيْهِ وَكَذَبَ، فَأَفْسَدَ كَذِبُهُ صِدْقَهُ، فَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ يَهْدِي إِلَى النَّارِ.
(بَيْرُوذَ: بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِ الْيَاءِ تَحْتَهَا نُقْطَتَانِ، وَضَمِّ الرَّاءِ، وَسُكُونِ الْوَاوِ، وَآخِرُهُ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ) .
ذكر خَبَرِ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْجَعِيِّ وَالْأَكْرَادِ
كَانَ عُمَرُ إِذَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَيْشٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَيْشٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ سَلَمَةَ بْنَ قَيْسٍ الْأَشْجَعِيَّ. فَقَالَ: سِرْ بَاسْمِ اللَّهِ، قَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ عَدُوَّكُمْ فَادْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوا وَأَقَامُوا بِدَارِهِمْ فَعَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ، وَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْفَيْءِ نَصِيبٌ، وَإِنْ سَارُوا مَعَكُمْ فَلَهُمْ مِثْلُ الَّذِي لَكُمْ وَعَلَيْهِمْ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَإِنْ أَبَوْا فَادْعُوهُمْ إِلَى الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَجَابُوا فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا فَقَاتِلُوهُمْ، وَإِنْ تَحَصَّنُوا مِنْكُمْ وَسَأَلُوكُمْ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ