وَقَصَدَ سَارِيَةُ بْنُ زُنَيْمٍ الدِّئَلِيُّ فَسَا وَدَارَابْجِرْدَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى عَسْكَرِهِمْ، فَنَزَلَ عَلَيْهِمْ وَحَاصَرَهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّهُمُ اسْتَمَدُّوا وَتَجَمَّعُوا، وَتَجَمَّعَتْ إِلَيْهِمْ أَكْرَادُ فَارِسَ، فَدَهَمَ الْمُسْلِمِينَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَجَمْعٌ كَثِيرٌ، وَأَتَاهُمُ الْفُرْسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَرَأَى عُمَرُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَعْرَكَتَهُمْ وَعَدَدَهُمْ فِي سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ، فَنَادَى مِنَ الْغَدِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ! حَتَّى إِذَا كَانَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَى فِيهَا مَا رَأَى خَرَجَ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ ابْنُ زُنَيْمٍ وَالْمُسْلِمُونَ بِصَحْرَاءَ إِنْ أَقَامُوا فِيهَا أُحِيطَ بِهِمْ، وَإِنِ اسْتَنَدُوا إِلَى جَبَلٍ مِنْ خَلْفِهِمْ لَمْ يُؤْتَوْا إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ. فَقَامَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي رَأَيْتُ هَذَيْنِ الْجَمْعَيْنِ، وَأَخْبَرَ بِحَالِهِمَا، وَصَاحَ عُمَرُ وَهُوَ يَخْطُبُ: يَا سَارِيَةُ بْنَ زُنَيْمٍ، الْجَبَلَ الْجَبَلَ! ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: إِنَّ لِلَّهِ جُنُودًا، وَلَعَلَّ بَعْضَهَا أَنْ يُبْلِغَهُمْ. فَسَمِعَ سَارِيَةُ وَمَنْ مَعَهُ الصَّوْتَ فَلَجَئُوا إِلَى الْجَبَلِ، ثُمَّ قَاتَلُوهُمْ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ وَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مَغَانِمَهُمْ، وَأَصَابُوا فِي الْغَنَائِمِ سَفَطًا فِيهِ جَوْهَرٌ، فَاسْتَوْهَبَهُ مِنْهُمْ سَارِيَةُ وَبَعَثَ بِهِ وَبِالْفَتْحِ مَعَ رَجُلٍ إِلَى عُمَرَ. فَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ وَهُوَ يُطْعِمُ الطَّعَامَ، فَأَمَرَهُ فَجَلَسَ وَأَكَلَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عُمَرُ اتَّبَعَهُ الرَّسُولُ، فَظَنَّ عُمَرُ أَنَّهُ لَمْ يَشْبَعْ، فَأَمَرَهُ فَدَخَلَ بَيْتَهُ، فَلَمَّا جَلَسَ أُتِيَ عُمَرُ بِغَدَائِهِ خُبْزٍ وَزَيْتٍ وَمِلْحٍ جَرِيشٍ فَأَكَلَا. فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ الرَّجُلُ: أَنَا رَسُولُ سَارِيَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا. ثُمَّ أَدْنَاهُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتُهُ رُكْبَتَهُ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّةِ الدُّرْجِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ وَصَاحَ بِهِ: لَا وَلَا كَرَامَةَ حَتَّى يَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ الْجُنْدِ فَيُقَسِّمَهُ بَيْنَهُمْ. فَطَرَدَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي قَدْ أَنْضَيْتُ جَمَلِي وَاسْتَقْرَضْتُ فِي جَائِزَتِي فَأَعْطِنِي مَا أَتَبَلَّغُ بِهِ. فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى أَبْدَلَهُ بَعِيرًا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَجَعَلَ بَعِيرَهُ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَرَجَعَ الرَّسُولُ مَغْضُوبًا عَلَيْهِ مَحْرُومًا. وَسَأَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الرَّسُولَ هَلْ سَمِعُوا شَيْئًا يَوْمَ الْوَقْعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْنَا: يَا سَارِيَةُ، الْجَبَلَ الْجَبَلَ، وَقَدْ كِدْنَا نَهْلِكُ فَلَجَأْنَا إِلَيْهِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا.
ذِكْرُ فَتْحِ كَرْمَانَ