ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالَ: مَنْ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: أَبَا مُوسَى. فَأَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ عَمَّارٍ. فَأَقَامَ عَلَيْهِمْ سَنَةً فَبَاعَ غُلَامُهُ الْعَلَفَ، فَشَكَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ وَقَالُوا: إِنَّ غُلَامَهُ يَتَّجِرُ فِي جِسْرِنَا، فَعَزَلَهُ عَنْهُمْ وَصَرَفَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ. وَصَرَفَ عُمَرَ بْنَ سُرَاقَةَ إِلَى الْجَزِيرَةِ.

وَخَلَا عُمَرُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَنَامَ، فَأَتَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَحَرَسَهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: مَا فَعَلْتُ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا مِنْ عَظِيمٍ. فَقَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ أَعْظَمُ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ لَا يَرْضَوْنَ عَنْ أَمِيرٍ وَلَا يَرْضَى عَنْهُمْ أَمِيرٌ؟ وَأُحِيطَتِ الْكُوفَةُ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ. وَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَدْ عَضَّلُونِي. وَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَنْ يُوَلِّيهِ. وَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي تَوْلِيَةِ رَجُلٍ ضَعِيفٍ مُسْلِمٍ أَوْ رَجُلٍ قَوِيٍّ مُسَدِّدٍ؟ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: أَمَّا الضَّعِيفُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّ إِسْلَامَهُ لِنَفْسِهِ وَضَعْفَهُ عَلَيْكَ، وَأَمَّا الْقَوِيُّ الْمُسَدِّدُ فَإِنَّ سَدَادَهُ لِنَفْسِهِ وَقُوَّتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ. فَوَلَّى الْمُغِيرَةَ الْكُوفَةَ، فَبَقِيَ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ عُمَرُ، وَذَلِكَ نَحْوَ سَنَتَيْنِ وَزِيَادَةٍ. وَقَالَ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ: يَا مُغِيرَةُ لِيَأْمَنْكَ الْأَبْرَارُ، وَلْيَخَفْكَ الْفُجَّارُ. ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَبْعَثَ سَعْدًا عَلَى عَمَلِ الْمُغِيرَةِ، فَقُتِلَ عُمَرُ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَوْصَى بِهِ.

ذكر فَتْحِ خُرَاسَانَ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَزَا الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ خُرَاسَانَ، فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ. وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنْ يَزْدَجِرْدَ لَمَّا سَارَ إِلَى الرَّيِّ بَعْدَ هَزِيمَةِ أَهْلِ جَلُولَاءَ، وَانْتَهَى إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا أَبَانُ جَاذَوَيْهِ وَثَبَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ. فَقَالَ يَزْدَجِرْدُ: يَا أَبَانُ تَغْدِرُ بِي! قَالَ: لَا وَلَكِنْ قَدْ تَرَكْتَ مُلْكَكَ، فَصَارَ فِي يَدِ غَيْرِكَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكْتَتِبَ عَلَى مَا كَانَ لِي مِنْ شَيْءٍ. وَأَخَذَ خَاتَمَ يَزْدَجِرْدَ وَاكْتَتَبَ الصِّكَاكَ بِكُلِّ مَا أَعْجَبَهُ، ثُمَّ خَتَمَ عَلَيْهَا وَرَدَّ الْخَاتَمَ، ثُمَّ أَتَى بَعْدُ سَعْدًا فَرَدَّ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ فِي كِتَابِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015