قَالَ: أَمْسِكْنِي عِنْدَكَ فَإِنَّ أَهْلَ أَذْرَبِيجَانَ إِنْ لَمْ أُصَالِحْ عَلَيْهِمْ أَوْ أَجِئْ إِلَيْهِمْ لَمْ يَقُومُوا لَكَ، وَجَلَوْا إِلَى الْجِبَالِ الَّتِي حَوْلَهَا، وَمَنْ كَانَ عَلَى التَّحَصُّنِ تَحَصَّنَ إِلَى يَوْمٍ مَا. فَأَمْسَكَهُ عِنْدَهُ، وَصَارَتِ الْبِلَادُ إِلَيْهِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ حِصْنٍ. وَقَدِمَ عَلَيْهِ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ مُمِدًّا، وَاسْفَنْدِيَارُ فِي إِسَارِهِ وَقَدِ افْتَتَحَ مَا يَلِيهِ، وَافْتَتَحَ عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ مَا يَلِيهِ.
وَكَتَبَ بُكَيْرٌ إِلَى عُمَرَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي التَّقَدُّمِ، فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ نَحْوَ الْبَابِ، وَأَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى مَا افْتَتَحَهُ، فَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِ عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ، فَأَقَرَّ عُتْبَةُ سِمَاكَ بْنَ خَرَشَةٍ عَلَى عَمَلِ بُكَيْرٍ الَّذِي كَانَ افْتَتَحَهُ، وَجَمَعَ عُمَرُ أَذْرَبِيجَانَ كُلَّهَا لِعُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ.
وَكَانَ بَهْرَامُ بْنُ فَرُّخْزَاذَ قَصَدَ طَرِيقَ عُتْبَةَ، وَأَقَامَ بِهِ فِي عَسْكَرِهِ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ عُتْبَةُ، فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ بَهْرَامُ، فَلَمَّا بَلَغَ خَبَرُهُ اسْفَنْدِيَارَ وَهُوَ فِي الْأَسْرِ عِنْدَ بُكَيْرٍ قَالَ: الْآنَ تَمَّ الصُّلْحُ وَطُفِئَتِ الْحَرْبُ. فَصَالَحَهُ وَأَجَابَ إِلَى ذَلِكَ أَهْلُ أَذْرَبِيجَانَ كُلُّهُمْ، وَعَادَتْ أَذْرَبِيجَانُ سِلْمًا. وَكَتَبَ بِذَلِكَ بُكَيْرٌ وَعُتْبَةُ إِلَى عُمَرَ وَبَعَثَا بِمَا خَمَّسَا. وَلَمَّا جَمَعَ عُمَرُ لِعُتْبَةَ عَمَلَ بُكَيْرٍ كَتَبَ لِأَهْلِ أَذْرَبِيجَانَ كِتَابًا بِالصُّلْحِ.
وَفِيهَا قَدِمَ عُتْبَةُ عَلَى عُمَرَ بِالْخَبِيصِ الَّذِي كَانَ أُهْدِيَ لَهُ. وَكَانَ عُمَرُ يَأْخُذُ عُمَّالَهُ بِمُوَافَاةِ الْمَوْسِمِ كُلَّ سَنَةٍ يَمْنَعُهُمْ بِذَلِكَ عَنِ الظُّلْمِ.
ذكر فَتْحِ الْبَابِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ فَتْحُ الْبَابِ، وَكَانَ عُمَرُ رُدَّ أَبَا مُوسَى إِلَى الْبَصْرَةِ وَبَعَثَ سُرَاقَةَ بْنَ عَمْرٍو، وَكَانَ يُدْعَى ذَا النُّورِ، إِلَى الْبَابِ، وَجَعَلَ عَلَى مُقَدَّمَتِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ رَبِيعَةَ، وَكَانَ أَيْضًا يُدْعَى ذَا النُّورِ، وَجَعَلَ عَلَى إِحْدَى مُجَنِّبَتَيْهِ حُذَيْفَةَ بْنَ أَسِيدٍ الْغِفَارِيَّ، وَعَلَى الْأُخْرَى بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيَّ، وَكَانَ بُكَيْرٌ سَبَقَهُ إِلَى الْبَابِ. وَجَعَلَ عَلَى الْمَقَاسِمِ سَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيَّ. فَسَارَ سُرَاقَةُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ قَدِمَ بُكَيْرٌ إِلَى الْبَابِ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ أَمَدَّ سُرَاقَةَ بِحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ مِنَ الْجَزِيرَةِ وَجَعَلَ مَكَانَهُ زِيَادَ بْنَ حَنْظَلَةَ. وَلَمَّا أَطَلَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَبِيعَةَ عَلَى الْبَابِ، وَالْمَلِكُ بِهَا يَوْمَئِذٍ شَهْرَيَارُ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ شَهْرَيَارَ الَّذِي أَفْسَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَغْزَى الشَّامَ بِهِمْ، فَكَاتَبَهُ شَهْرَيَارُ وَاسْتَأْمَنَهُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَهُ، فَفَعَلَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي بِإِزَاءِ عَدُوٍّ كَلِبٍ وَأُمَمٍ مُخْتَلِفَةٍ لَيْسَتْ لَهُمْ أَحْسَابٌ وَلَا يَنْبَغِي لِذِي الْحَسَبِ