[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ] [ذكر بِنَاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ]
17 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ
ذكر بِنَاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اخْتُطَّتِ الْكُوفَةُ، وَتَحَوَّلَ سَعْدٌ إِلَيْهَا مِنَ الْمَدَائِنِ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ سَعْدًا أَرْسَلَ وَفْدًا إِلَى عُمَرَ بِهَذِهِ الْفُتُوحِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَمَّا رَآهُمْ عُمَرُ سَأَلَهُمْ عَنْ تَغَيُّرِ أَلْوَانِهِمْ وَحَالِهِمْ، فَقَالُوا: وُخُومَةُ الْبِلَادِ غَيَّرَتْنَا فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ أَنْ يَرْتَادُوا مَنْزِلًا يَنْزِلَهُ النَّاسُ، وَكَانَ قَدْ حَضَرَ مَعَ الْوَفْدِ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ لِيُعَاقِدُوا عُمَرَ عَلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: أُعَاقِدُهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ كَانَ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ. فَقَالُوا: إِذَنْ يَهْرُبُونَ وَيَصِيرُونَ عَجَمًا، وَبَذَلُوا لَهُ الصَّدَقَةَ، فَأَبَى، فَجَعَلُوا جِزْيَتَهُمْ مِثْلَ صَدَقَةِ الْمُسْلِمِ، فَأَجَابَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُنَصِّرُوا وَلِيدًا، فَهَاجَرَ هَؤُلَاءِ التَّغْلِبِيُّونَ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ مِنَ النَّمِرِ وَإِيَادٍ إِلَى سَعْدٍ بِالْمَدَائِنِ، وَنَزَلُوا بِالْمَدَائِنِ وَنَزَلُوا مَعَهُ بَعْدُ بِالْكُوفَةَ.
وَقِيلَ: بَلْ كَتَبَ حُذَيْفَةُ إِلَى عُمَرَ: إِنَّ الْعَرَبَ قَدْ رَقَّتْ بُطُونُهَا، وَجَفَّتْ أَعْضَادُهَا وَتَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهَا. وَكَانَ مَعَ سَعْدٍ فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَعْدٍ: أَخْبِرْنِي مَا الَّذِي غَيَّرَ أَلْوَانَ الْعَرَبِ وَلُحُومَهُمْ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَعْدٌ: إِنَّ الَّذِي غَيَّرَهُمْ وُخُومَةُ الْبِلَادِ، وَإِنَّ الْعَرَبَ لَا يُوَافِقُهَا إِلَّا مَا وَافَقَ إِبِلَهَا مِنَ الْبُلْدَانِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَنِ ابْعَثْ سَلْمَانَ وَحُذَيْفَةَ رَائِدَيْنِ فَلْيَرْتَادَا مَنْزِلًا بَرِّيًّا بَحْرِيًّا لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فِيهِ بَحْرٌ وَلَا جِسْرٌ. فَأَرْسَلَهُمَا سَعْدٌ، فَخَرَجَ سَلْمَانُ حَتَّى يَأْتِيَ الْأَنْبَارَ فَسَارَ فِي غَرْبَيِّ الْفُرَاتِ لَا يَرْضَى شَيْئًا حَتَّى أَتَى الْكُوفَةَ، وَسَارَ