تصح الوصية، لأنه لا يتيقن وجوده حال الوصية، وإن ألقته ميتاً، لم تصح الوصية له، لأنه لا يرث. وإن أوصى لما تحمل هذا المرأة، لم يصح، لأنه تمليك لمن لا يملك، وإن قال: وصيت لأحد هذين الرجلين، لم يصح، لأنه تمليك لغير معين. وإن قال: أعطوا هذا العبد لأحد هذين، صح، لأنه ليس بتمليك، إنما هو وصية بالتمليك فجاز، كما لو قال لوكيله: بع هذا العبد من أحد هذين.
فصل:
وإن وصى لعبد بمعين من ماله، أو بمائة، لم يصح، لأنه يصير ملكاً للورثة فيملكون وصيته. وحكي عنه: أن الوصية صحيحة. وإن وصى له بنفسه، صح وعتق، وإن وصى له بمشاع، كثلث ماله، صح وتعينت الوصية فيه، لأنه ثلث المال، أو من ثلثه. وما فضل من الثلث بعد عتقه، فهو له. وإن وصى لمكاتبه، صح، لأنه يملك المال بالعقود، فصحت الوصية له، كالحر. وإن وصى لأم ولده، صح، لأنها حرة عند الاستحقاق، وإن وصى لمدبره، صح، لأنه إما أن يعتق كله أو بعضه، فيملك بجزئه الحر. وإن وصى لعبد غيره، كانت الوصية لمولاه، لأنه اكتساب من العبد فأشبه الصيد، ويعتبر القبول من العبد، فإن قبل السيد، لم يصح، لأن الإيجاب لغيره، فلم يصح قبوله، كالإيجاب في البيع.
تصح الوصية بكل ما يمكن نقل الملك فيه، من مقسوم، ومشاع، معلوم ومجهول، لأنه تمليك جزء من ماله، فجاز في ذلك، كالبيع. وتجوز بالحمل في البطن، واللبن في الضرع وبعبد من عبيده، وبما لا يقدر على تسليمه، كالطير في الهواء، والآبق، لأن الموصى له يخلف الموصي في الموصى به، كخلاف الورثة في باقي المال، والوارث يخلفه في هذه الأشياء كلها، كذلك الموصى له. وإن وصى بمال الكتابة، صح لذلك. وإن وصى برقبة المكاتب، انبنى على جواز بيعه. فإن جاز، جازت الوصية به، وإلا فلا. وإن وصى له بما تحمل جاريته، أو شاته، أو شجرته، صح، لأن المعدوم يجوز أن يملك بالسلم والمساقاة، فجاز أن يملك بالوصية.
فصل:
وتجوز الوصية بالمنافع، لأنها كالأعيان في الملك بالعقد والإرث، فكذلك في الوصية. وتجوز الوصية بالعين دون المنفعة، وبالعين لرجل والمنفعة لآخر، لأنهما كالعينين، فجاز فيهما ما جاز في العينين. وتجوز بمنفعة، مقدرة المدة ومؤبدة، لأن المقدرة كالعين المعلومة، والمؤبدة كالمجهولة فصحت الوصية بالجميع.