الرجوع من غير إضرار، وإن لم يمكن، لزم المعير تركه بالأجرة إلى وقت حصاده؛ لأنه لا يملك الرجوع على وجه يضر بالمستعير، وإن حمل السيل بذر رجل إلى أرض آخر فنبت فيه، ففيه وجهان:

أحدهما: حكمه حكم العارية؛ لأنه بغير تفريط من ربه، إلا أن عليه أجرة الأرض؛ لأنه لا يجوز استيفاء نفع أرش إنسان بغير إذنه من غير أجرة، فصار كزرع المستعير بعد رجوع المعير، وقال القاضي: ليس عليه أجرة؛ لأنه حصل بغير تفريطه، أشبه مبيت بهيمته في دار غيره.

والثاني: حكمه حكم الغصب؛ لأنه حصل في ملكه بغير إذنه.

فصل:

وإن أعاره حائطًا ليضع عليه أطراف خشبه، لم يكن له الرجوع ما دام الخشب على الحائط؛ لأن هذا يراد للبقاء، وليس له الإضرار بالمستعير، فإن بذل المالك قيمة الخشب ليملكه، لم يكن له؛ لأن معظمه في ملك صاحبه، فإن أزيل الخشب لتلفه أو سقوطه أو هدم الحائط، لم يجز رده إلا بإذن مستأنف؛ لأن الإذن تناول الوضع الأول، فلا يتعدى إلى غيره، وإن وجدت أخشاب على حائط لا يعلم سببها، ثم نقلت جاز إعادتها؛ لأن الظاهر أنها بحق ثابت، وإن استعار سفينة، فحمل متاعه فيها، لم يملك صاحبها الرجوع فيها حتى ترسي. وإن أعاره أرضًا للدفن، لم يملك الرجوع فيها ما لم يبل الميت لما ذكرنا.

فصل:

وإن استعار شيئًا يرهنه مدة معلومة على دين معلوم صح؛ لأنه نوع انتفاع. فإن أطلق الإذن من غير تعيين صح؛ لأن العارية لا يشترط في صحتها تعيين النفع، فإن عين فخالفه، فالرهن باطل؛ لأنه رهنه بغير إذن مالكه، وإن أذن له في رهنه بمائة، فرهنه بأقل منها صح؛ لأن من أذن في شيء فقد أذن في بعضه؛ وإن رهنه أكثر منها بطل في الكل في أحد الوجهين؛ لأنه مخالف، أشبه ما لو خالف في الجنس، وفي الآخر: يصح في المأذون، ويبطل في الزائد، كتفريق الصفقة.

وللمعير مطالبة الراهن بفكاكه في الحال، سواء أجله أو أطلق؛ لأن العارية لا تلزم، وإن حل الدين قبل فكاكه بيع واستوفى الدين من ثمنه؛ لأن هذا مقتضى الرهن، ويرجع المعير على المستعير بقيمته أو مثله إن كان مثليًا؛ لأن العارية مضمونة بذلك، ولا يرجع بما بيع به إن كان أقل من القيمة؛ لأن العارية مضمونة فيضمن نقص ثمنها.

وإن بيع بأكثر من قيمته، رجع به؛ لأن ثمن العين ملك لصاحبها، وقيل: لا يرجع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015