لم يرضه، وإن تركها في مثله، أو أحرز منه فقال القاضي: لا يضمن؛ لأن من رضي شيئًا رضي مثله وفوقه. وظاهر كلام الخرقي: أنه يضمن؛ لأنه خالف أمره لغير حاجة، فأشبه ما لو نهاه؛ فإن قال: احفظها في هذا البيت ولا تنقلها عنه، فنقلها لغير حاجة، ضمنها سواء نقلها إلى مثله، أو أحرز منه؛ لأنه خالف نص صاحبها، وإن خاف عليها نهبًا أو هلاكًا وأخرجها، لم يضمنها؛ لأن النهي للاحتياط عليها، والاحتياط في هذه الحال نقلها، فإن تركها فتلفت ضمنها؛ لأنه فرط في تركها.
ويحتمل أن لا يضمن؛ لأنه امتثل أمر صاحبها، فإن قال: لا تخرجها، وإن خفت عليها، فأخرجها لخوفه عليها، لم يضمن؛ لأنه زاده خيرًا، وإن تركها فتلفت لم يضمن؛ لأن نهيه مع خوف الهلاك إبراء من الضمان، فأشبه ما لو أمره بإتلافها فأتلفها، فإن أخرجها فتلفت، فادعى أنني أخرجتها خوفًا عليها، فعليه البينة على ما ادعى وجوده من تلك الناحية؛ لأنه مما لا يتعذر إقامة البينة عليه، ثم القول قوله في خوفه عليها، وفي التلف مع يمينه لتعذر إقامة البينة عليها، فإن قال: لا تقفل عليها قفلين، ولا تنم فوقها فخالفه؛ فالمذهب أنه لا يضمن؛ لأنه زاد في الحرز، فأشبه ما لو قال له: اتركها في صحن الدار، فتركها في البيت، ويحتمل أن يضمن؛ لأنه نبه اللص عليها وأغراه بها.
فصل:
فإن أودع نفقة، فربطها في كمه، لم يضمن، وإن تركها فيها بغير رباط، وكانت خفيفة لا يشعر بسقوطها ضمن لتفريطه. وإن كانت ثقيلة يشعر بها لم يضمن، وإن تركها في جيبه أو شدها على عضده لم يضمنها؛ لأن العادة جارية بالإحراز بهما. وإن قال: اربطها في كمك، فأمسكها في يده ضمن؛ لأن اليد يسقط منها الشيء بالنسيان، ويحتمل أن لا يضمن؛ لأن اليد لا يتسلط عليها الطرار بالبط.
وقال القاضي: اليد أحرز عند المغالبة، والكم أحرز عند غيرها، فإن تركها في يده عند المغالبة، فلا ضمان عليه؛ لأنه زادها احتياطًا، وإلا ضمنها لنقلها إلى أدنى مما أمره به، وهذا صحيح. وإن قال: اجعلها في كمك، فتركها في جيبه، لم يضمن؛ لأنه أحرز، لأنه ربما نسي، فسقطت من الكم، وإن قال: اجعلها في جيبك، فتركها في كمه، ضمن، وإن قال: اتركها في بيتك فشدها في ثيابه، وأخرجها معه ضمن؛ لأن البيت أحرز، وإن شدها على عضده مما يلي جنبه لم يضمن؛ لأنه أحرز من البيت، فإن شدها مما يلي الجانب الآخر ضمن؛ لأن البيت أحرز منه، ولأنه ربما يبطها الطرار. وإن قال: احفظها في البيت، ودفعها إليه في غيره، فمضى بها إليه في الحال لم يضمن، وإن قعد وتوانى ضمنها؛ لأنه توانى عن حفظها فيما أمر به مع الإمكان، فإن قال: احفظ هذا الخاتم في البنصر، فجعله في الخنصر ضمن؛ لأنه دون البنصر، فالخاتم فيها