ولا تحديد في اليسير إلا أنه ينبغي أن يعفى عما رخص فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث وشبهه، وقال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ما كان مثل التمرة والكسرة والخرقة، وما لا خطر له؛ فلا بأس، ويحتمل أن لا يجب تعريف ما لا يقطع فيه السارق؛ لأنه تافه. قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كانوا لا يقطعون في الشيء التافه.
والنوع الثاني: الكثير؛ فظاهر كلام أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن ترك التقاطه أفضل؛ لأنه أسلم من خطر التفريط، وتضييع الواجب من التعريف، فأشبه ولاية اليتيم، واختار أبو الخطاب: أن أخذه أفضل إذا وجد بمضيعة، وأمن نفسه عليه، لما فيه من حفظ مال المسلم، فكان أولى كتخليصه من الغرق، ولا يجب أخذه؛ لأنه أمانة، فلم يجب كالوديعة، ومن لم يأمن نفسه عليه، ويقوى على أداء الواجب، لم يجز له أخذه؛ لأنه تضييع لمال غيره، فحرم كإتلافه.
فصل:
إذا أخذها، عرف عفاصها، وهو: وعاؤها. ووكاءها وهو: الذي تشد به، وجنسها وقدرها؛ لما روى زيد بن خالد الجهني قال: سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن لقطة الذهب والورق فقال: «اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف، فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فادفعها إليه» متفق عليه. نص على الوكاء والعفاص، وقسنا عليهما القدر والجنس، ولأنه إذا عرف هذه الأشياء، لم تختلط بغيرها، وعرف بذلك صدق مدعيها، أو كذبه، وإن أخر معرفة صفتها إلى مجيء مدعيها، أو تصرفه فيها جاز؛ لأن المقصود يحصل، وقد جاء ذلك في حديث أبي.
ولا يحل له التصرف فيها إلا بعد معرفة صفتها؛ لأن عينها تذهب، فلا يعلم صدق مدعيها إلا من حفظ صفتها، ويستحب أن يشهد عليها، نص عليه؛ لما روى عياض بن حمار: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من وجد لقطة فليشهد ذا عدل، أو ذوي عدل، ولا يكتم ولا يغيب» رواه أبو داود. ولأن فيه حفظها من ورثته إن مات وغرمائه إن أفلس، وصيانته من الطمع فيها، ولا يجب ذلك لتركه في حديث زيد، ولأنه أمانة فلا يجب الإشهاد عليها كالوديعة، قال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولا يبين في الإشهاد كم هي، لكن يقول: أصبت لقطة.
فصل:
ويجب تعريفها، لأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به، ولأنه طريق وصولها إلى صاحبها فوجب كحفظها، ويجب التعريف حولًا من حين التقاطها متواليًا؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر به عند وجدانها، والأمر يقتضي الفور، ولأن الغرض وصول الخبر وظهور أمرها، وإنما يحصل