{بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] ولما روى أبو سعيد «أن ناساً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتوا حياً من أحياء العرب، فلم يقروهم، فبينا هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل فيكم من راق؟ فقالوا: لم تقرونا فلا نفعل، أو تجعلوا لنا جعلاً، فجعلوا لهم قطيع شياه، فجعل رجل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاقة ويتفل فبرئ الرجل، فأتوهم بالشياه، فقالوا: لا نأخذها حتى نسأل عنها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: وما أدراك أنها رقية خذوها واضربوا لي منها بسهم» .
متفق عليه.
ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك في رد الضالة ونحوها، فجاز كالإجارة، ويجوز عقد الجعالة لعامل غير معين، وعمل مجهول، فيقول: من رد ضالتي فله كذا للآية، ولأن الحاجة داعية إليه مع الجهل، فجاز كالمضاربة، ولا يجوز إلا بعوض معلوم؛ لأنه عقد معاوضة، فاشترط العلم بعوضه كالإجارة، فإن شرط مجهولاً فسد، وله أجرة المثل؛ لأنه عقد يجب المسمى في صحيحه، فوجبت أجرة المثل في فاسده كالإجارة.
فصل:
وهي عقد جائز؛ لأنها تنعقد على مجهول، فكانت جائزة كالمضاربة، وأيهما فسخ قبل الشروع في العمل فلا شيء للعامل، وإن فسخه العامل قبل تمام العمل، فلا شيء له، لأنه إنما يستحق بعد الفراغ من عمله وقد تركه، وإن فسخه الجاعل بعد التلبس به، فعليه أجرة ما عمل العامل؛ لأنه إنما عمل بعوض لم يسلم له، وإن تم العمل، لزم العقد ووجب الجعل؛ لأنه استقر بتمام العمل، فأشبه الربح في المضاربة، وإن زاد في الجعل، أو نقص منه قبل الشروع في العمل، جاز؛ لأنه عقد جائز، فجازت الزيادة فيه والنقصان قبل العمل كالمضاربة.
فصل:
ولا يستحق الجعل إلا بعد فراغه من العمل؛ لأنه كذا شرط، وإن جعل له جعلاً على رد آبق فرده إلى باب الدار، فهرب، أو مات قبل تسليمه لم يستحق شيئاً؛ لأنه لم يأت بما جعل الجعل فيه، وإن قال: من رده من مصر فله دينار، فرده من نصف طريقها، أو قال: من رد عبدي، فله دينار، فرد أحدهما، فله نصف الدينار؛ لأنه عمل نصف العمل، وإن رده من أبعد من مصر، لم يستحق إلا الدينار؛ لأنه لم يضمن لما زاد شيئاً، وإن رده جماعة اشتركوا في الدينار؛ لأنهم اشتركوا في العمل.
فإن جعل لواحد في رده ديناراً، ولآخر اثنين، ولآخر ثلاثة، فلكل واحد منهم ثلث جعله، وإن جعل لواحد منهم ثوباً، فله ثلث أجرة المثل؛ لأنه عوض مجهول، فاستحق ثلث أجرة