عليه، ولا يحسن الخصومة، أو لا يحب حضورها، ويجوز التوكيل في الإقرار؛ لأنه إثبات حق، فأشبه البيع، ويجوز في إثبات القصاص، وحد القذف، واستيفائهما في حضرة الموكل وغيبته؛ لأنه حق آدمي أشبه المال. وقال بعض أصحابنا: لا يجوز استيفاؤهما في غيبته، وقد أومأ إليه أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بأنه يجوز أن يعفو الموكل، فيكون ذلك شبهة، ويجوز التوكيل في حقوق الله تعالى المالية؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها، وفي إثبات الحدود واستيفائها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» متفق عليه، ولا تجوز في العبادات البدنية؛ لأن المقصود، فعلها ببدنه، فلا تحصل من فعل غيره إلا في الحج، لما سبق في بابه.

فصل:

ولا تجوز في الأيمان والنذور، ولأنها تتعلق بعين الحالف، فلا تدخلها النيابة، ولا في الإيلاء واللعان والقسامة؛ لأنها أيمان، ولا في الشهادة؛ لأن غيره لا يقوم مقامه في مشاهدته، ولا في الاغتنام؛ لأنه يتعلق بالحضور، فإذا حضر النائب كان السهم له، ولا في الالتقاط؛ لأنه بأخذه يصير لملتقطه.

فصل:

ولا يصح التوكيل في شيء مما لا يصح تصرفه فيه؛ لأن من لا يملك التصرف بنفسه، فبنائبه أولى.

فلا يصح توكيل طفل ولا مجنون ولا سفيه لذلك، ولا توكيل المرأة في النكاح، ولا الفاسق في تزويج ابنته، ولا المسلم لذمي في شراء خمر لذلك.

فأما من يتصرف بالإذن، كالعبد والصبي والوكيل، فإن أذن لهم في التوكيل جاز، وإن نهوا عنه، لم يجز، وإن أطلق لهم الإذن، فلهم التوكيل فيما لا يتولون مثله بأنفسهم، أو يعجزون عنه لكثرته؛ لأن تفويضه إليهم مع العلم بهذا، إذن في التوكيل، وفيما سوى ذلك روايتان: إحداهما: لا يجوز لهم التوكيل؛ لأنهم يتصرفون بالإذن، فاختص بما أذن فيه، ولم يؤذن في التوكيل.

والثانية: يجوز؛ لأنهم يملكون التصرف بأنفسهم، فملكوه بنائبهم كالمالك الرشيد.

فإن قال لوكيله: اصنع ما شئت، ملك التوكيل؛ لأنه مما يشاء، وولي اليتيم كالوكيل فيما ذكرناه، ويملك الولي في النكاح التوكيل فيه من غير إذن المرأة؛ لأن ولايته من غير جهتها، فلم يعتبر إذنها في توكيله كالأب، وخرج القاضي ولايته الإجبار على الروايتين في الوكيل، والفرق بينهما ظاهر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015