والثاني: لا يحلف؛ لأنه مكذب لنفسه. وإن رهنه عصيراً، ثم وجد خمراً، فقال المرتهن: إنما أقبضني خمراً، فلي فسخ البيع. وقال الراهن: بل كان عصيراً، فقال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فالقول قول الراهن؛ لأنه يدعي سلامة العقد، وصحة القبض، فظاهر حال المسلم استعمال الصحيح، فكان القول قول من يدعيه، كما لو اختلفا في شرط يفسد المبيع. ويحتمل أن القول قول المرتهن بناء على اختلاف المتبايعين في حدوث العيب. ولو كان الرهن حيواناً فمات، واختلفا في حياته وقت الرهن، أو القبض، فحكمه حكم العصير. وإن أنكر المرتهن قبضه، فالقول قوله؛ لأن الأصل معه. وإن وجده معيباً واختلفا في حدوثه، ففيه وجهان مبنيان على الروايتين في البيع.
فصل
إذا كان لرجل على آخر ألف برهن، وألف بغير رهن، فقضاه ألفاً وقال: قضيت دين الرهن، فقال: هي عن الألف الآخر، فالقول قول الراهن، سواء اختلفا في لفظه أو نيته؛ لأنها تنتقل منه، فكان القول قوله في صفة النقل، وهو أعلم بنيته. ولو دفعها بغير لفظ ولا نية، فله صرفها إلى أيهما شاء، كما لو دفع زكاة أحد الألفين، فإن أبرأه المرتهن من أحدهما، فالقول قول المرتهن لذلك. وإن أطلق، فله صرفها إلى أيهما شاء. ذكره أبو بكر.
فصل
وإن كان عليه ألفان لرجلين، فادعى كل واحد منهما أنه رهنه عبده بدينه فأنكرهما، حلف لهما. وإن صدق أحدهما، أو قال: هو السابق، سلمه إليه وحلف للآخر. وإن نكل والعبد في يد أحدهما، فعليه للآخر قيمته تجعل رهناً؛ لأنه فوته على الثاني بإقراره للأول، أو بتسليمه إليه. وقال القاضي: هل يرجح صاحب اليد أو المقر له؟ يحتمل وجهين. فإن قال: لا أعلم المرتهن منهما، أو السابق، حلف على ذلك، والقول قول من هو في يده منهما مع يمينه. وإن كان في أيديهما، أو يد غيرهما، فالحكم في ذلك كالحكم فيما إذا ادعيا ملكه.
فصل
فإن ادعى على رجلين أنهما رهناه عبدهما بدينه فأنكراه، فالقول قولهما. وإن شهد كل واحد منهما على الآخر، قبلت شهادته؛ لأنه لا يجلب بهذه الشهادة نفعاً، ولا يدفع بها ضرراً. وإن أقر أحدهما وحده، لزم في نصيبه، وتسمع شهادته على صاحبه لما ذكرناه.