تحتمل الأمرين، احتمل أن يصح رهنه؛ لأن الأصل بقاء العقد، والعتق قبله مشكوك فيه، فهو كالمدبر واحتمل أن لا يصح رهنه؛ لأنه يحتمل العتق قبل حلول الحق، وهذا غرر لا حاجة إليه. فإن مات سيد المدبر وهو يخرج من الثلث، أو وجدت الصفة، عتق، وبطل الرهن. ولا يصح رهن المكاتب؛ لتعذر استدامة قبضه. ويتخرج أن يصح إن قلنا: استدامة القبض غير مشترطة، وأنه يصح بيعه، ويكون ما يؤديه من نجوم كتابته، رهناً معه. وإن عتق، بقي ما أداه رهناً، كالقن إذا مات بعد الكسب، وجميع هذه المعاني عيوب، لها حكم غيرها من العيوب.
فصل
ويصح رهن ما يسرع إليه الفساد؛ لأنه مما يجوز بيعه، وإيفاء الدين من ثمنه، فأشبه الثياب، فإن كان الدين يحل قبل فساده، بيع وقضي من ثمنه. وإن كان يفسد قبل الحلول، وكان مما يمكن إصلاحه بالتجفيف، كالعنب، جفف. ومؤنة تجفيفه على الراهن؛ لأنه من مؤنة حفظه، فأشبه نفقة الحيوان. وإن كان مما لا يجفف، فشرطا بيعه، وجعل ثمنه رهناً، فعلا ذلك. وإن لم يشرطاه، ففيه وجهان:
أحدهما: يصح الرهن ويباع كما لو شرطاه؛ لأن الحال يقتضي ذلك لكون المالك لا يعرض ملكه للتلف، فحمل مطلق العقد عليه، كما يحمل على تجفيف العنب.
والثاني: لا يصح؛ لأن البيع إزالة ملكه قبل حلول الحق، فلم يجبر عليه كغيره. وإن شرط أن لا يباع، فسد وجهاً واحداً؛ لأنه إن وفى بشرطه، لم يمكن إيفاء الدين من ثمنه، وإن رهنه عصيراً، صح لذلك، فإن تخمر خرج من الرهن؛ لأنه لا قيمة له. فإن عاد خلاً، عاد رهناً لأن العقد كان صحيحاً، فلما طرأ عليه معنى أخرجه عن حكمه، ثم زال المعنى، عاد الحكم كما لو ارتد أحد الزوجين، ثم عاد في العدة عادت الزوجية. وإن كان استحالته قبل القبض، لم يعد رهناً؛ لأنه ضعيف، فأشبه الردة قبل الدخول.
فصل
ويصح رهن الثمرة قبل بدو صلاحها، والزرع الأخضر مطلقاً وبشرط التبقية؛ لأن الغرر يقل فيه، لاختصاصه بالوثيقة مع بقاء الدين بحاله، بخلاف البيع، قال القاضي: ويصح رهن المبيع المكيل والموزون قبل قبضه؛ لأن قبضه مستحق للمشتري، فيمكنه قبضه، ثم يقبضه. وإنما منع من بيعه، لئلا يربح فيما لم يضمنه وهو منهي عنه. وإن رهن ثمرة إلى محل تحدث فيه أخرى لا تتميز، فالرهن باطل؛ لأنه مجهول حين حلول