عن أبي بكر: أن البيع باطل لظاهر النهي، ومن اشترى معيباً أو مصراة أو مدلساً يعلم حاله، فلا خيار له، لأنه بذل الثمن فيه راضياً به عوضاً، فأشبه ما لا عيب فيه. وإن لم يعلم فله الخيار بين رده وأخذ الثمن، لأنه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم ولم يسلم له، فثبت له الرجوع بالثمن، كما في المصراة - وبين إمساكه المعيب وأخذ أرشه، لأن الجزء الفائت بالعيب يقابله جزء من الثمن. فإذا لم يسلم له كان له ما يقابله. كما لو تلف في يده. ومعنى الأرش: أن ينظر بين قيمته سليماً ومعيباً فيؤخذ قدره من الثمن. فإذا نقصه العيب عشر قيمته فأرشه عشر ثمنه لأن ذلك هو المقابل للجزء الفائت.
فصل
فإن نما المبيع المعيب نماء متصلاً كالسمن والكبر، والتعلم والحمل والثمرة قبل الظهور، وأراد الرد، رده بزيادته، لأنها لا تنفرد عن الأصل في الملك فلم يجز رده دونها. وإن كانت منفصلة، كالكسب واللبن وما يوهب له، والولد المنفصل، والثمرة الظاهرة رد الأصل وأمسك النماء. وعنه: ليس له رده دون نمائه، والأول المذهب لما روت عائشة: «أن رجلاً ابتاع غلاماً فاستغله ما شاء الله ثم وجد به عيباً فرده. فقال يا رسول الله: إنه استغل غلامي، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الخراج بالضمان» رواه أبو داود. إلا أن الولد إن كان لآدمية لم يملك ردها دونه، لأن فيه تفريقاً بينهما، وذكر الشريف: أن له ردها، لأنه موضع حاجة، أشبه من ولدت حراً فباعها دونه، والأول أولى، لأن الجمع ممكن بأخذ الأرش أو ردهما معاً. فإن كان المبيع حاملاً فولدت عند المشتري، ثم ردها رد الولد معها، لأنه من جملة المبيع، والولادة نماء متصل.
فصل
وإن تعيب المبيع عند المشتري ففيه روايتان:
إحداهما: له أرش العيب وليس له رده، لأن في رده ضرراً، فلا يزال الضرر بالضرر.
والثانية: يرده، وأرش العيب الحادث عنده، ويأخذ الثمن، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر برد المصراة بعد أخذ لبنها، ورد عوضه، ولأن جواز الرد كان ثابتاً، فلا يزول إلا بدليل، ولا نص في منع الرد، ولا قياس فيبقى بحاله. فإن دلس البائع العيب فتعيب عند المشتري، أو تلف بفعله أو غيره، فالمنصوص أنه يرجع بالثمن ولا شيء عليه، لأنه مغرور، والقياس يقتضي التسوية بين المدلس وغيره، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوجب على مشتري المصراة عوض لبنها مع التدليس، وجعل الخراج بالضمان، ولم يفرق بين مدلس وغيره.