فصل:
وإذا ابتاع ثمراً أو زرعاً بعد صلاحه لم يكلف قطعه قبل أوان الحصاد والجذاذ، لأن ذلك العادة في نقله فحمل البيع عليه، لما ذكرنا في الثمرة المؤبر، وإن احتاجت إلى سقي لزم البائع سقيها، لأن عليه تسليمها في أوان حصادها ولا يحصل إلا بالسقي فلزمه، بخلاف ثمرة البائع المؤبرة على أصول المشتري لا يلزمه سقيها لأنه لا يلزمه تسليمها وإن تلفت بجائحة من السماء، فهي من ضمان البائع لما روى جابر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بوضع الجوائح» . وفي لفظ قال: «إن بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟» رواهما مسلم. ولأنها تؤخذ حالاً فحالاً فكانت من ضمان البائع، كالمنافع في الإجارة. والجائحة: ما لا صنع لآدمي فيها. فإن أتلفها آدمي، فللمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن، وبين الإمساك ومطالبة المتلف بالقيمة، وظاهر المذهب أنه لا فرق بين القليل والكثير، إلا أن يكون التالف يسيراً جرت العادة بتلف مثله. قال أحمد: لا أقول في عشر تمرات، ولا عشرين تمرة، ولا أدري ما الثلث وذلك لأن الشرع أمر بوضع الجوائح، ولم يجعل له حداً فوجب رده إلى ما يتعارفه الناس جائحة. وعنه: أن ما دون الثلث من ضمان المشتري، لأن الثمرة لا بد من تلف شيء منها فلا بد من حد فاصل. والثلث يصلح ضابطاً، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والثلث كثير» ، وإن بلغت الثمرة أو الزرع أوان الحصاد فلم ينقل حتى هلك، فهو من ضمان المشتري، لأنه لزمه النقل فكان التفريط منه فاختص الضمان به. وإن اختلفا في التلف أو في قدره فالقول قول البائع، لأنه غارم، ولأن الأصل السلامة. ولو اشترى الثمرة من الشجرة، أو الزرع مع الأرض زال الضمان عن البائع بمجرد العقد، لأنه حصل التسليم الكامل بتسليم الأصل، فأشبه بيع الدار.
فصل:
وإذا اشترى ثمرة شجرة فحدثت ثمرة أخرى، فاختلطتا ولم تتميزا، أو حنطة فانثالت عليها أخرى لم يبطل البيع، لأن المبيع باق انضاف إليه غيره فأشبه ما لو اشتبه العبد المبيع بغيره، ويشتركان كل واحدة بقدر ماله إن علم قدره، وإلا وقف حتى يصطلحا، ويحتمل أن يبطل العقد لتعذر تسليم المستحق، فأشبه تلف المبيع. ولو باع