واشترط أبو بكر والقاضي حاجة البائع إلى بيعها، وحديث زيد بن ثابت يرد ذلك مع أن اشتراطه يبطل الرخصة، إذ لا تتفق الحاجتان مع سائر الشروط، فتذهب الرخصة، فعلى قولنا يجوز لرجلين شراء عريتين من واحد وعلى قولهما لا يجوز إلا أن ينقصا بمجموعهما عن خمسة أوسق، ولا يجوز لوحد شراء عريتين فيهما جميعاً خمسة أوسق، لأنه في معنى شرائهما في عقد واحد.
فصل:
قال ابن حامد: لا يجوز بيع العرايا في غير ثمرة النخل، لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر إلا أصحاب العرايا، فإنه قد أذن لهم، وعن بيع العنب بالزبيب، وعن كل ثمر بخرصه» . وهذا حديث حسن، ولأن غير التمر لا يساويه في كثرة اقتياته، وسهولة خرصه، فلا يقاس عليه غيره. وقال القاضي: يجوز في جميع الثمار، لأن حاجة الناس إلى رطبها كحاجتهم إلى الرطب. ويحتمل الجواز في التمر والعنب خاصة، لتساويهما في وجوب الزكاة فيهما، وورود الشرع بخرصهما وكونهما مقتاتين دون غيرهما.
فصل:
في ربا النسيئة كل مالين اتفقا في علة ربا الفضل، كالمكلين والموزونين أو المطعومين على الرواية الأخرى لا يجوز بيع أحدهما بالآخر نساء، ولا التفرق قبل القبض، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يداً بيد» وعن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذهب بالورق رباً، إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء» متفق عليه.
وما اختلفت علتهما، كالمكيل والموزون إذا لم يتفقا في الطعم جاز التفرق فيهما قبل القبض رواية واحدة، وفي النساء فيهما روايتان. وما لم يوجد فيه علة ربا الفضل، كالثياب والحيوان، ففيه روايات أربع.
إحداهن: يجوز النساء فيهما، لما روي عن عبد الله بن عمرو قال: «أمرني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أستسلف إبلاً، فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى مجيء المصدق» . من " المسند ".
والثانية: لا يجوز، لما روى سمرة قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة» . قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
والثالثة: يحرم النساء في الجنس الواحد، لهذا الخبر، ويباح في الجنسين عملاً بمفهومه.