تعالى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] . ولحديث جارية كعب: «إذا أصيبت منها شاة، فأدركتها فذكتها بحجر، فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأكلها» وما لم يبق فيه إلا مثل حركة المذبوح لا يباح؛ لأنه صار في حكم الميت، وكذلك لو ذبحها بعد ذبح الوثني لها لم تبح.
فصل:
ويكره أن يبين الرأس بالذبح، وقطع عضو مما ذكى، أو سلخه حتى تزهق نفسه؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لا تعجلوا الأنفس حتى تزهق ولا يحرم المقطوع؛ لأن إبانته حصلت بعد ذبحها وحلها. ولو ذبحها، فسقطت في ماء، أو تردت تردياً يقتلها مثله، فقال أكثر أصحابنا: لا تحرم لما ذكرنا.
وقال الخرقي: تحرم، وهو المنصوص عليه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعدي بن حاتم: «فإن وقعت في الماء فلا تأكل» ولأن ذلك يعين على زهوق نفسها، فيحصل بسبب مبيح ومحرم.
فصل:
وإذا ذبح حاملاً، فخرج جنينها ميتاً، أو فيه حركة كحركة المذبوح أبيح، لما روى أبو سعيد قال: «قيل يا رسول الله: إن أحدنا ينحر الناقة، ويذبح البقرة والشاة. فيجد في بطنها الجنين، أيأكله أم يلقيه؟ قال: كلوه إن شئتم، فإن ذكاته ذكاة أمه» رواه أبو داود، ولأنه متصل بها يتغذى بغذائها فكانت ذكاتها ذكاة له، كسائر أجزائها. ويستحب أن يذبحه ليخرج دمه الذي في بطنه، نص عليه. وإن خرج وفيه حياة مستقرة لم يبح إلا بالذكاة؛ لأنه مستقل بحياته، فأشبه ما ولدته قبل ذبحها.
فصل:
وإذا ند بعيره أو غيره، فلم يقدر عليه، صار حكمه حكم الصيد، لما روى رافع بن خديج قال: «كنا مع النبي في غزاة، فأصاب القوم غنماً وإبلاً، فند بعير من الإبل، فرماه رجل بسهم، فحبسه الله به، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا» متفق عليه. ولأنه تعذر ذكاته في الحلق، فأشبه الصيد. ولو تردى في بئر، فلم يقدر على ذبحه، فجرحه في أي موضع قدر عليه من جسده، أبيح لما ذكرناه إلا أن يكون رأسه في الماء، أو في شيء يموت به غير الذبح، فلا يباح لأننا لا نعلم أن الذبح قتله.