والثياب الغليظة، والأراضي، والدور التي يمكن قسمتها بالتعديل من غير رد عوض، ولا ضرر، أجبر الممتنع عليها؛ لأن طالبها يطلب إزالة الضرر عنه وعن شريكه من غير ضرر بأحد، فوجب إجابته إليه. وسواء كانت الأرض متساوية الأجر، أو مختلفة، بعضها عامر، وبعضها خراب، أو بعضها ذو بناء، أو شجر، أو بئر، وبعضها بياض، أو يسقى بعضها سيحاً، وبعضها بناضح. وإن كان عليهما ضرر في القسمة، كالجواهر، والثياب التي ينقصها القطع، والرحى الواحدة، والبئر، والحمام الصغير، لم يجبر الممتنع، لما روى مالك في موطئه عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا ضرر ولا ضرار» . من المسند؛ ولأنه إتلاف مال، وسفه يستحق به الحجر، فلم يجبر عليه، كهدم البناء. وإن كان على أحدهما ضرر دون الآخر، كدار لأحدهما ثلثاها وللآخر ثلثها، يستضر صاحب الثلث بالقسمة دون شركائه، فطلبها المستضر، ففيه وجهان:
أحدهما: يجبر الممتنع؛ لأنه مطالب بقسمة لا ضرر عليه فيها، فلزمته الإجابة، كالتي قبلها.
والثاني: لا يجبر؛ لأن طلب المستضر سفه، فلم تلزم إجابته، كما لو استضرا معاً. وإن طلبها غير المستضر، فقال أبو الخطاب: لا يجبر الممتنع. وهذا ظاهر كلام أحمد؛ لأنه قال: كل قسمة فيها ضرر لا أرى قسمتها. وذلك، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا ضرر ولا ضرار» ؛ ولأنها قسمة تضره، فلم يجبر عليها، كما لو استضر. وقال القاضي: يجبر؛ لأنه يطالب بحق ينفع الطالب، فوجبت إجابته، كقضاء الدين. وفي الضرر المانع روايتان:
إحداهما: هو أن لا يتمكن أحدهما من الانتفاع بنصيبه مفرداً، كالدار الصغيرة التي لا يمكن سكنى نصيب أحدهما منفرداً. وهذا قول الخرقي؛ لأن ضرر نقص القيمة ينجبر بزوال ضرر الشركة، فيصير كالمعدوم.
والثانية: هو أن تنقص قيمة نصيب أحدهما بالقسمة عن حال الشركة؛ لأنه ضرر، فمنع وجوب القسمة، للخبر، والقياس الأول.
فصل:
وإن كان بينهما أرض مختلفة الأجزاء، وأمكنت التسوية، بأن يكون الجيد في مقدمها، والرديء في مؤخرها، فيقسمانها نصفين فيحصل في كل قسم من الجيد والرديء مثل ما في الآخر، قسم كذلك. وإن لم يمكن، لكون الجيد في أحد النصفين، وأمكن التعديل بجعل ثلثيها في المساحة في مقابلة ثلثها الجيد، أجبر الممتنع؛ لأنه