شروطهم لعبد الرحمن بن غنم: إن شرطنا لك على أنفسنا، أن لا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا فيما حولها ديرا، ولا قلاية، ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب من كنائسنا، ولا ما كان منها في خطط المسلمين. وما كان فيها قبل الفتح في بلد فتح صلحا، أقر؛ لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أقروهم على كنائسهم، وبيعهم، وما فتح عنوة فكذلك؛ لأن الكنائس والبيع، موجودة في جميع بلاد المسلمين من غير نكير، ولم تهدمها الصحابة في بلد فتحوه. وفيه وجه آخر، أنها تهدم لأنها بلاد مملوكة للمسلمين، فلم يجز أن يكون فيها بيعة، كالتي مصرها المسلمون، ويجوز رم ما تشعث من بيعهم وكنائسهم رواية واحدة؛ لأنه أبقى لها فأشبه تطيين سطوحها. وأما تجديد ما خرب منها فلا يجوز؛ لقولهم: ولا نجدد ما خرب من كنائسنا؛ ولأنه بناء كنيسة في دار الإسلام، فمنع منه كابتداء بنائها. وعنه: يجوز؛ لأنه أبقى لها، أشبه لَمْ مَا تشعث. وإن عقدت لهم الذمة في بلد ينفردون به، لم يمنعوا من شيء مما ذكرناه، ولم يأخذوا بغيار، ولا زنار؛ لأنهم في بلدانهم، فلم يمنعوا من إظهار دينهم.
فصل:
وينعون من سكنى الحجاز؛ لما روى أبو عبيدة بن الجراح: أن «آخر ما تكلم به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أخرجوا اليهود من الحجاز» ، رواه أحمد وأبو داود. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب» رواه مسلم. والمراد الحجاز، بدليل أن أحدا من الخلفاء لم يخرج أحدا من اليمن، ولا أهل تيماء، فدل على أن المراد به الحجاز، وهو مكة، والمدينة، واليمامة، وخيبر، وفدك، وما والاها - سمي حجازا؛ لأنه حجز بين تهامة ونجد - وليس نجران من الحجاز، وإنما أجلاهم عمر منه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صالحهم على ألا ياكلوا الربا فأكلوه، ونقضوا العهد، فأمر بإجلائهم، فأجلاهم عمر. ويجوز تمكينهم من دخول الحجاز لغير إقامة؛ لأنهم كانوا يدخلونه في زمن عمر، وعثمان، والخلفاء بعدهم. ولا يجوز لهم الدخول، إلا بإذن الإمام؛ لأن دخولهم إنما أجيز لحاجة المسلمين، فوقف على رأي الإمام، كدخول الحربي دار الإسلام، فمن استأذن منهم في الدخول فيما للمسلمين فيه نفع، كتجارة، ورسالة، ونحوها، أذن له لما فيه من المصلحة، فإذا دخل، لم يقم في موضع أكثر من ثلاثة أيام؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أذن لمن دخل