لم يحد لأنه حق الله تعالى ولم يلتزموه بالهدنة. وإن سرق مال مسلم، ففيه وجهان:

أحدهما: لا يقطع؛ لأنه حق خالص لله تعالى، أشبه حد الزنا.

والثاني: يقطع؛ لأنه يجب لصيانة حق الآدمي، فأشبه حد القذف.

فصل:

وإن نقض أهل الذمة العهد بقتال، أو مظاهرة عدو، أو قتل مسلم، أو أخذ مال، انتقض عهدهم؛ لقول الله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] ... الآية، والتي بعدها، وقَوْله تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4] ، وقوله سبحانه: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 7] ؛ ولأن الهدنة تقتضي الكف، فانتقضت بتركه، ولا يحتاج في نقضها إلى حكم الإمام؛ لأنه إنما يحتاج إلى حكمه في أمر محتمل، وفعلهم لا يحتمل غير نقض العهد. وإن نقض بعضهم، وسكت سائرهم، انتقضت الهدنة في الجميع؛ لأن ناقة صالح عقرها واحد، فلم ينكر عليه قومه، فعذبهم الله سبحانه جميعا. ولما هادن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قريشا، دخلت خزاعة مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبنو بكر مع قريش، فعدت بنو بكر على خزاعة، وأعانهم نفر من قريش، وأمسك سائر قريش، فكان ذلك نقض عهدهم، فسار إليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى فتح مكة. فإن أنكر الممسك على الناقض، أو اعتزلهم، أو راسل الإمام به، لم ينتقض عهده؛ لأنه لم ينقض، ولا رضي بالنقض. ويؤمر بتسليم الناقض، أو التميز عنه. فإن لم يفعل مع القدرة عليه، انتقضت هدنته أيضا؛ لأنه صار مظاهرا للناقض. وإن لم يقدر على ذلك، فحكمه حكم الأسير. فإذا أسر الإمام منهم قوما، فادعوا أنهم ممن لم ينقض، وأشكل، قبل قولهم؛ لأنه لا يتوصل إلى معرفة ذلك إلا من جهتهم.

فصل:

وإن خاف الإمام نقض العهد منهم، جاز أن ينبذ إليهم عهدهم، لقول الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] ، يعني: أعلمهم بنقض العهد، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم، ولا يكفي بمجرد الخوف حتى تظهر أمارة النقض. ولا يفعل ذلك إلا الإمام؛ لأن نقضها لخوف الخيانة، يحتاج إلى نظر واجتهاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015