باب قسم الفيء
فصل:
وهو: كل مال أخذ من المشركين بغير قتال كالجزية، والخراج، والعشور المأخوذة من تجارهم، وما تركوه فزعا وهربوا، أو بذلوه لنا في الهدنة، ونحو ذلك، فذكر الخرقي: أنه يخمس، فيصرف خمسه إلى من يصرف إليه خمس الغنيمة، لقول الله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: 7] وهؤلاء أهل الخمس، وهذا إحدى الروايتين عن أبي عبد الله - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وظاهر المذهب أنه لا يخمس، لقول الله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: 6] ... الآيات. فجعله كله لجميع المسلمين. قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لما قرأها: هذه استوعبت المسلمين، ولئن عشت ليأتين الراعي وهو بسرو حمير نصيبه منها لم يعرق فيها جبينه. وعلى كلتا الروايتين يبدأ فيه بالأهم فالأهم. وأهم المصالح كفاية أجناد المسلمين بأرزاقهم، وسد الثغور بمن فيه كفاية. وكفايتهم بأرزاقهم، وبناء ما يحتاج إلى بنائه منها، وحفره الخنادق، وشراء ما يحتاج إليه من الكراع والسلاح، ثم الأهم فالأهم من عمارة القناطر والطرق والمساجد، وكري الأنهار، وسد البثوق، وأرزاق القضاة، والأئمة، والمؤذنين، ومن يحتاج إليه المسلمون، وكل ما يعود نفعه إلى المسلمين، ثم ما فضل قسمه على المسلمين، لما ذكرنا من الآية، وقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وذكر القاضي: أن الفيء لأهل الجهاد خاصة دون غيرهم من الأعراب، ومن لا يعد نفسه للجهاد؛ لأنه ذلك كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحصول النصرة به، فلما مات أعطي لمن يقوم مقامه في ذلك، وهم المقاتلة دون غيرهم.
فصل:
ويفرض للمقاتلة من المسلمين قدر كفايتهم؛ لأنهم كفوا المسلمين أمر الجهاد فيجب أن يكفوا المؤنة، ويتعاهد عدد عيالهم لأنهم قد يزيدون وينقصون، ويتعرف أسعار ما يحتاجون إليه من الطعام والكسوة؛ لأنه قد يغلو ويرخص، لتكون أعطيتهم على قدر كفايتهم، ولا يفرض في المقاتلة لصبي ولا مجنون، ولا عبد ولا امرأة، ولا ضعيف عاجز عن الجهاد، ولا لمريض لا يرجى برؤه؛ لأنهم من غير أهل الجهاد. ويفرض للمريض المرجو برؤه؛ لأن أحدا لا يخلو من عارض. وإن مات مجاهد وله