القذف. وإن قلنا: هو ثمانون، بدئ بحد القذف؛ لأنه كحد الشرب في عدده، ويرجح لكونه حق آدمي، ثم بحد الشرب، ثم بحد للزنا، ثم بقطع للسرقة، ولا يقام الثاني حتى يبرأ من الأول؛ لأننا لا نأمن من تلفه بموالاتها، والمقصود زجره لا قتله. وإن اجتمع قطع السرقة، وقطع المحاربة، قطعت يده لهما؛ لأن محلهما واحد، ثم تقطع رجله في الحال؛ لأن قطعهما حد واحد، فتجب الموالاة فيه، كالجلدات في الزنا، فأما إن كان في الحدود لله تعالى قتل، كالرجم في الزنا، أو القتل للمحاربة، قتل، وسقط سائرها؛ لأن ذلك يروى عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأنها حدود لله تعالى فيها قتل، فاجتزئ به عنها، كما لو قطع في المحاربة، وأخذ المال، ولأن زجره يحصل بالقتل، فلا حاجة إلى غيره.

فصل

وإن اجتمعت حدود للآدميين، استوفيت كلها، سواء كان فيها قتل، أو لم يكن. ويبدأ بأخفها، لما ذكرنا. وإن اجتمعت حدود لله تعالى، وللآدمي، ولا قتل فيها استوفيت كلها، إلا أن يتفق الحقان في محل واحد، كالقطع للقصاص والسرقة، فإنه يقدم القصاص؛ لأنه حق آدمي، ويسقط الحد لفوات محله. وإن كان فيها قطع، سقط ما سواه من حدود الله، وتستوفى حقوق الآدميين، ثم يقتل، لما ذكرناه.

فصل

والضرب في الزنا أشد منه في سائر الحدود؛ لأن الله تعالى، خصه بمزيد تأكيد بقوله تعالى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] ولأن الفاحشة به أعظم، فكانت عقوبته أشد، ثم بعده الضرب في حد القذف؛ لأنه يليه في العدد، وهو حق آدمي، ثم الضرب في الشرب؛ لأنه أخف الحدود، وهو محض حق الله تعالى، ثم التعزير؛ لأنه لا يبلغ به الحد. وذكر الخرقي: أن العبد يضرب بدون سوط الحر؛ لأن حده أقل عدداً، فيكون أخف سوطاً، كالشرب مع الزنا. ويحتمل التسوية بينهما في السوط؛ لأن الله تعالى قال: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] . ولا يتحقق النصف إذا نصفنا العدد، إلا مع تساوي السوطين.

فصل

ويضرب في جميع الحدود بسوط وسط، لا جديد، ولا خلق، لما روي «أن رجلاً اعترف عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالزنا، فدعا له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسوط، فأتي بسوط مكسور،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015