يؤمن التلف معه، فإن كان لا يطيق الضرب لضعفه وكثرة ضرره، ضرب بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة، أو ضربتين، أو بسوط فيه خمسون شمراخاً؛ لما روى أبو أمامة بن سهل بن حنيف «عن بعض أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأنصار: أنه اشتكى رجل منهم حتى أضنى، فعاد جلداً على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم، فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك، وقال: استفتوا لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكروا ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقالوا: ما رأينا بأحد من الضر مثل ما به، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يؤخذ له مائة شمراخ، فيضربونه بها ضربة واحدة.» أخرجه أبو داود والنسائي.
فصل
ومن لزمه التغريب، غرب عاما إلى مسافة القصر؛ لأن أحكام السفر من القصر والفطر لا تثبت بدونه. وعنه في المرأة: إنها تغرب إلى ما دون مسافة القصر؛ لتقرب من أهلها، فيحفظونها، ويحتمل مثل ذلك في الرجل؛ لأنه يسمى نفيا وتغريبا، فيتناوله لفظ الخبر. وحيث رأى الإمام أن يغربه فله ذلك، وإن كان بعيدا؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غرب إلى الشام والعراق. وإن رأى الزيادة على الحول لم يجز؛ لأن مدة الحول منصوص عليها، فلم يدخلها الاجتهاد، والمسافة غير منصوص عليها فرجع فيها إلى الاجتهاد. ومتى عاد قبل الحول رد إلى التغريب حتى يكمل الحول. فإن زنى الغريب غرب إلى غير بلده، فإن زنى في البلد الآخر غرب إلى غيره؛ لأن الأمر بالنفي يتناوله حيث كان.
فصل
لا تغرب المرأة إلا مع ذي محرم؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ليلة إلا مع ذي حرمة من أهلها» فإن أعوز المحرم، خرجت مع امرأة ثقة، فإن أعوز، استؤجر لها من مالها محرم لها، فإن أعوز، فمن بيت المال، فإن أعوز، نفيت، بغير محرم؛ لأنه حق لا سبيل إلى تأخيره، فأشبه الهجرة. ويحتمل سقوط النفي هاهنا؛ لئلا يفضي إلى إغرائها بالفجور، وتعريضها للفتنة، ومخالفة خبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السفر بغير محرم، ويخص عموم حديث النفي بخبر النهي عن السفر بغير محرم، ويحتمل أن تنفى إلى دون مسافة القصر جمعاً بين الخبرين.