يعطى الناس بدعاويهم، لادعى قوم دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» رواه مسلم. ولأن الأصل براءة ذمته، فكان القول قوله، كدعوى المال، وهل يستحلف؟ فيه روايتان:

إحداهما: يستحلف للخبر، ولأنه دعوى في حق آدمي، أشبهت دعوى المال.

والأخرى: لا يستحلف، ويخلى سبيله؛ لأنها دعوى فيما لا يجوز بدله، فلم يستحلف فيها، كالحدود، وإذا قلنا: يستحلف، حلف يمينًا واحدة؛ لأنها يمين يعضدها الظاهر والأصل، فلم تغلظ بالعدد، كاليمن في المال.

وإن كان بينهما لوث، فادعى أنه قتله عمدًا، حلف المدعي خمسين يمينًا، واستحق القصاص؛ لما روى سهل بن أبي حثمة، ورافع بن خديج: «أن محيصة بن مسعود، وعبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر، فتفرقا في النخل، فقتل عبد الله بن سهل، فاتهموا اليهود، فجاء عبد الرحمن، وابنا عمه حويصة ومحيصة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه، وهو أصغرهم، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كبر الكبر فتكلما في أمر صاحبهما، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع إليكم برمته فقالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟ قال: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم فقالوا: يا رسول الله، قوم كفار ضلال. قال: فوداه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قبله» متفق عليه.

ولأن اللوث يقوي جنبة المدعي، ويغلب على الظن صدقه، فسمعت يمينه أولًا، كالزوج في اللعان، وإذا حلف استحق القصاص؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فيدفع إليكم برمته» وفي لفظ: «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم» ولأنها حجة يثبت بها القتل العمد، فيجب بها القود كالبينة، وليس له القسامة على أكثر من واحد؛ لقوله: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع إليكم برمته» ولأنها بينة ضعيفة خولف بها الأصل في قتل الواحد، فيقتصر عليه.

فصل

ويقسم الورثة دون غيرهم في إحدى الروايتين؛ لأنها يمين في دعوى، فلم تشرع في حق غير المتداعيين، كسائر الأيمان.

والثانية: يقسم من العصبة الوارث وغيرهم خمسون رجلًا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم» فعلى هذا يحلف أولياؤه - الأقرب منهم فالأقرب، كقولنا في تحمل العقل - كل واحد يمينًا واحدة، وعلى الرواية الأولى يفرض على ورثة المقتول على قد ميراثهم، فإن كان له ابنان، حلف كل واحد منهما خمسة وعشرين يمينًا، وإن كان فيها كسر جبر وكملت يمينًا في حق كل واحد، فإذا كانوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015