هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به» ، فإن لم يختر واحدًا منهما. أو اختارهما معًا، قدم أحدهما بالقرعة؛ لأنهما تساويا وتعذر الجمع، فصرنا إلى القرعة. وإن اختار الأم، أو صار لها بالقرعة، كان عندها ليلًا، ويأخذه الأب نهارًا، ليسلمه في مكتب أو صناعة؛ لأن القصد حظ الولد، وحظه فيما ذكرنا. وإن اختار أباه، كان عنده ليلًا ونهارًا، ولا يمنع من زيارة أمه، لما فيه من الإغراء بالعقوق وقطيعة الرحم. وإن مرض صارت الأم أحق بتمريضه؛ لأنه صار كالصغير في حاجته إلى من يقوم بأمره. وإن مرض أحد الأبوين وهو عند الآخر، لم يمنع من عيادته وحضروه عنده، لما ذكرنا. وإن اختار أحدهما، ثم عاد فاختار الآخر، سلم إليه، ثم إن اختار الأول، رد إليه؛ لأن هذا اختيار تشه، وقد يشتهي أحدهما في وقت دون وقت، فأتبع ما يشتهيه، كما يتبع ما يشتهيه من مأكول ومشروب. وإن لم يكن له أب، خير بين أمه وعصبته، لما روى عامر بن عبد الله قال: خاصم عمي أمي، وأراد أن يأخذني، فاختصما إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فخيرني علي ثلاث مرات، فاخترت أمي، فدفعني إليها.
فصل:
وإذا بلغت الجارية سبعًا، تركت عند الأب بلا تخيير؛ لأن حظها في الكون عند أبيها؛ لأنها تحتاج إلى الحفظ، والأب أولى به، ولأنها تقارب الصلاحية للتزويج. وإنما تخطب من أبيها؛ لأنه وليها، والمالك لتزويجها، وتكون عنده ليلًا ونهارًا؛ لأن تأديبها وتخريجها في البيت. ولا تمنع الأم من زيارتها، من غير أن يخلو بها الزوج. ولا تطيل ولا تتبسط؛ لأن الفرقة بين الزوجين تمنع تبسط أحدهما في منزل الآخر. وإن مرضت فالأم أحق بتمريضها في بيتها لما ذكرناه في الغلام. وإن مرضت الأم، لم تمنع الجارية من عيادتها لما ذكرنا.
فصل:
وإن كان الولد بالغًا رشيدًا، فلا حضانة عليه. والخيرة إليه في الإقامة عند من شاء منهما. وإن أراد الانفراد وهو رجل، فله ذلك؛ لأنه مستغن عن الحضانة. ويستحب ألا ينفرد عنهما، ولا يقطع بره لهما، لقول الله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] . وإن كانت جارية، فلأبيها منعها من الانفراد؛ لأنه لا يؤمن عليها دخول المفسدين.