فصل:
إذا طلق الحر زوجته ثلاثاً، أو طلق العبد زوجته طلقتين، حرمت عليه، ولم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره: ويطأها، لقول الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ويشترط لحلها الأول شرطان:
أحدهما: نكاح زوج غيره، للآية. فلو كانت أمة فوطئها سيدها، أو وطئت بشبهة، أو استبرأها من سيدها، لم تحل له، ولا بد أن يكون نكاحاً صحيحاً، فلو نكحها نكاحاً فاسداً ووطئها، لم تحل له. وذكر أبو الخطاب وجهاً آخر، أنه يحلها، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعن الله المحلل والمحلل له» . فسماه محللاً مع فساد نكاحه. والمذهب: الأول؛ لأن النكاح المطلق في الكتاب والسنة إنما يحمل على الصحيح، وإنما سماه محللاً، لقصده التحليل فيما لا يحل، كقوله تعالى: {فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 37] . فلو أحل حقيقة، لم يكن هو والزوج ملعونين.
الثاني: أن يطأها الزوج في الفرج، وأدناه تغييب الحشفة مع الانتشار، لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، فجاءت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: إنها كانت عند رفاعة، فطلقها آخر ثلاث تطليقات، فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير، فقالت: والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة، فتبسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته» متفق عليه. فإن وطئها في الدبر، أو دون الفرج، أو غيب الحشفة من غير انتشار، لم تحل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علق الحكم بذواق العسيلة، ولا يحصل بذلك. فإن كان الذكر مقطوعاً، فبقي منه قدر الحشفة، فأولجه، أحلها، وإلا فلا. وإن كان خصياً، أو مسلولاً، أو موجوءاً، حلت بوطئه، لدخوله في عموم الآية. وعنه: لا يحلها؛ لأنه لا تذاق عسيلته. قال أبو بكر: العمل على أنه يحلها؛ لأنه لا