الأوليين، فيعود إليهما، واحتمل أن يكون الشك في الثانية والثالثة؛ لأن حرف الشك بينهما. وإن قال: طلقت هذه، أو هذه وهذه، ففي أحد الوجهين يكون شاكاً في طلاق الجميع، لا يدري أطلق الأولى وحدها، أو الأخريين جميعاً؟ وفي الأخرى يكون متيقناً لطلاق الثانية، شاكاً في الأوليين.
وكل موضع علم أنه طلق بعضهن، فاشتبهت عليه بغيرها، فحكمها حكم المنسية على ما سنذكره. وإن لم ينو واحدة بعينها، تعينت بالقرعة، وعليه نفقة الجميع حتى تتعين المطلقة؛ لأنهن محبوسات عليه.
فصل:
وإن طلق واحدة بعينها ثلاثاً وأنسيها، أو خفيت عليه، بأن طلقها في ظلمة، أو من وراء حجاب، أو يراها في طاقة، فيطلقها وتشتبه عليه، فإنه يحرم عليه الجميع؛ لأنه اشتبهت زوجته بغيرها فحرمتا، كما لو اشتبهت بمن لم يتزوجها. وإن علمها، عينها، وقبل قوله؛ لأنه لا يعلم إلا من جهته.
فإن امتنع مع العلم، حبس حتى يعينها؛ لأنه حق عليه امتنع من إيفائه. وإن ادعت غير المعينة عليه أنها المطلقة، فالقول قوله من غير يمين. فإن مات، أقرع بينهن. فمن خرجت لها القرعة فلا ميراث لها. قال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن الرجل يطلق امرأة من نسائه، ولا يعلم أيتهن طلق، قال: أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة. قلت: أرأيت إن مات بعدها؟ قال: أقول بالقرعة، وذلك لأنه تصير القرعة على المال. وقد روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رجل له أربع نسوة طلق إحداهن ثم مات، لا يدري أيتهن طلق، أقرع بين الأربع، وأنذر منهن واحدة، وقسم بينهن الميراث. وكذلك إن ماتت إحداهن، أو متن جميعاً أقرعنا بينهن، فمن خرجت عليها القرعة، حرمناه ميراثها.
وقال الخرقي وكثير من أصحابنا: يقرع بينهن في حياته، فمن خرجت عليها قرعة الطلاق، بانت، وحل له البواقي، احتجاجاً بحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فإن ذكر بعد ذلك أن المطلقة غيرها، بانت المذكورة؛ لأنها المطلقة، ويكون وطؤه لها وطأ بشبهة، وترد إليه الأخرى، إلا أن تكون قد تزوجت، أو تكون القرعة بحكم حاكم، فلا ترد، نص عليه؛ لأنها إذا تزوجت، فقد تعلق بها حق غيره، فلم يقبل قوله في فسخ نكاح غيره. وقرعة الحاكم كحكمه، لا سبيل إلى نقضه. وقال أبو بكر وابن حامد: لا ترد إليه التي عينتها القرعة بحال؛ لأنه لا يقبل قوله عليها، ولا يرثها إن ماتت، وإن مات هو ورثته.
فصل:
وإن رأى طائراً فقال: إن كان غراباً فحفصة طالق، وإن كان حماماً فعمرة طالق، فطار ولم يعرف ما هو، لم يلزمه طلاق؛ لأنه يحتمل أنه غيرهما. ولو قال: إن كان غراباً، فحفصة طالق، وإن لم يكن غراباً، فعمرة طالق، ولم يعرف ما هو، طلقت