قلت: لا بل فيهما أيضًا معنى الإباحة موجود.
أما في الظهار فإن علماءنا- رحمهم الله- لم يوجبوا الكفرة بمجرد قوله لامرأته: أنت علي كظهر أمي؛ لأن ذلك منكر من القول وزور، وهو بانفراد ليس بسبب لها، وإنما سببها ما تردد بين الحظر الإباحة، وذلك إنما يتحقق بالعزم على الجماع الذي هو إمساك بالمعروف، وهو الأمر المباح كما في اليمين باجتماع اليمين مع الحنث يتحقق سبب الكفارة، غير أن هناك ما هو المحظور متأخر عن الإباحة وفي الظهار على العكس.
وأما في كفارة الفطر فإن العمد للفطر وإن كان محظورًا محضًا لكن إطلاق قوله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} أو إطلاق إباحة الوقاع في أصله أورث شبهة الإباحة بالنظر إلى أصل هذه الأشياء، فإن هذه الأفعال في أصولها مباحة، فكان فيها أيضًا اجتماع الحظر والإباحة، ولكن مع ذلك لما كانت جهة العمدية راجحة فيها كانت جهة العقوبة راجحة أيضًا حتى سقطت بالشبهة، وتداخلت الكفارتان بخلاف سائر الكفارات على ما يجيء بيانها إن شاء الله تعالى في باب معرفة الأسباب والعلل.
وقوله: (ولا يلزم) جواب إشكال يعني لو قال الشافعي- رحمه الله- قد قلتم: إن الكبيرة لا تصلح سببًا للكفارة ومع ذلك أوجبتم الكفارة في القتل العمد بالحجر العظيم وهو كبيرة؟