= أ- أن أبا حنيفة- رحمه الله- لم يجعل النظم ركنًا لازمًا في حق جواز الصلاة خاصة؛ لأنه لا يريد بالنظم إلا الإعجاز بل اعتبر المعنى، وأن حالة الصلاة حالة المناجاة مع الله تعالى، والنظم العربي معجز بليغ، فلعله لا يقدر عليه، أو لأنه أن اشتغل بالعربي ينتقل الذهن منه إلى حسن البلاغة والبراعة ويلتذ بالأسجاع والفواصل، ولم يخلص الحضور مع الله تعالى، بل يكون هذا النظم حجابًا بينه وبين الله تعالى.
ب- وأن بناء النظم على التوسعة والتيسير في الصلاة وغيرها. أما في الصلاة فلقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} إذا حمل على ظاهره.
ج- وذكر بعض المراجع دليلًا آخر وهو: أن القرآن أنزل بلغه قريش؛ لأنها أفصح اللغات، فلما تعسرت قراءته بتلك اللغة نزل التخفيف بدعاء النبي عليه السلام، وإذن بتلاوته بسائر اللغات، وسقط وجوب رعاية تلك اللغة، واتسع الأمر حتى جاز لكل فريق منهم أن يقرءوا بلغتهم ولغة غيرهم، فلما جاز للقرشي أن يترك لغة نفسه ويقرأ بلغه بني تميم مع كمال قدرته على لغة نفسه جاز لغير العربي ترك لغة العرب مع قصور قدرته عليها.
انظر: كشف الأسرار للبخاري 1/ 74 - 77، كشف الأسرار للنسفي 1/ 20، نور الأنوار 1/ 20.
لكن الترخص كان في اللهجات دون اللغات؛ لآن لغة قريش وبني تميم و ... لغة واحدة، واللهجات مختلفة، فالدليل الثالث ربما يكون في غير محله، وكذلك الدليل الأول والثاني؛ لأن أبا حنيفة- رحمه الله- نفسه رجع عن قوله إلى قول الصاحبين والجمهور كما ثبت ذلك عنه. حتى إن ابن العز شارح العقيدة الطحاوية قال: "قال الشيخ حافظ الدين ألنسفي- رحمه الله- في المنار: إن القرآن اسم للنظم والمعنى، وكذا قال غيره من أهل الأصول، وما ينسب إلى أبي حنيفة- رحمه الله:- أن من قرأ في الصلاة بالفارسية أجزاه، فقد رجع عنه، وقال: لا تجوز القراءة مع القدرة بغير العربية، وقالوا: لو قرأ بغير العربية إما أن يكون مجنونًا فيداوي، أو زنديقًا فيقتل؛ لأن الله تكلم به بهذه اللغة، والإعجاز حصل ينظمه ومعناه، كما نقل الملا على القاري في شرح الفقه الأكبر نفس العبارة من ابن أبي العز.
لكن راجعت المنار وبعض شروحه مثل: كشف الأسرار للنسفي، ونوار الأنوار لملا جيون، وجامع الأسرار لمحمد بن محمد أحمد الكاكي فلم أقف عليها. وهذا =