فإن قيل: قد وجد الإمساك منه بطريق الاختيار؛ لأن الكلام فيمن يجد ما يؤكل ومع ذلك تمسك عن الأكل حتى إن من نوى الفطر، ثم لم يجد شيئًا يأكله، لا يكون صائمًا بالاتفاق وقد مر، ثم لما كان الإمساك هنا بطريق الاختيار لم يكن إمساكه جبريًا، فحينئذ لم يصح هنا دفع قول زفر: بأن هذا الإمساك منه جبري لا اختيارين فلا يصح أن يكون عبادة.
قلنا: من الإمساك ما لا يكون اختياريًا بأن كان لا يجد شيئًا إذا كان مريضًا أو مغمى عليه قبل دخول ليلة رمضان، وما كان فيه اختياريًا يحتمل أن يكون عادة أو حمية فلا يكون عبادة بدون النية لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} والإخلاص إنما يتحقق بالنية؛ لأن النية لتمييز العبادة من العادة، وذلك لا يكون بدون اختياره عبادة لله، فتشترط النية لذلك.
وقوله: (كصاحب النصاب إذا وهب من الفقير بعد الحول) أي يكون مؤديًا للزكاة، وإن لم ينو بهبته الزكاة لتعين قدر الزكاة في هذا النصاب للزكاة.
فإن قيل: تمليك النصاب من الفقير بأي وجه أدي لا يقع عن الزكاة عند زفر؛ لأن الغنى قارن الأداء، فكيف أورده نظيرًا، وهو على خلاف مذهبه؟