يعرفون وجوب الأمر المطلق وهو كلي، وكذا في عكسه أن كل أحد كان يعرف وجوب شكر المنعم وحظر الكفران، وكان لا يعرف بطريق التفصيل قبل ورود الشرع أن الصلاة والزكاة وغيرهما من قبيل شر المنعم أم لا؟ ونكاح المحارم وسائر المحرمات من النساء من حظر الكفران أم لا؟

وكذلك كل أحد يعرف بطريق الإجمال أن جواب الفتوى إما أن يكون نعم أم لا، ولكن لا يعلم بطريق التفصيل أن جواب هذه الفتوى المعينة نعم أم لا؟ إلا بعد زيادة المجاهدة في التحصيل، وترك أمر الدنيا في التعطيل، ولأن المرء قد يحتاج في التمسك في مسألة من المسائل بمطلق الأمر إلى معرفة أن هذا حسن لمعنى في عينه؛ لأن هذا ثابت بمطلق الأمر، ومطلق الأمر يقتضي ذلك كما نقول مثل ذلك في التمسك بالوجوب.

وقوله: (لأن كمال الأمر) والأمر إنما يكمل بحسب كمال ولاية الآمر، ولا آمر أمل ولاية من الشارع، فكان أمره أكمل الأوامر يقتضي كمال صفة المأمور به، وصفة المأمور به إنما تكمل إذا كان حسنه لمعنى في عينه، وإن شيءت معرفته فتأمل في كمال صفة الإيمان مع غيره من المأمور بها كيف ترجح الإيمان على غيره من العبادات، وما ذاك إلا باعتبار أن حسنه ذاتي بحيث لا ينفك عنه أصلا، وكذلك كونه عبادة يقتضي هذا المعنى وهو معنى كون المأمور به حسنا لعينه، وهذا لأن العبادة عبارة عن نوع فعل ابتلي الآدمي بفعله تعظيما لله تعالى مختارا لطاعته على خلاف هوى نفسه. كذا ذكره في (التقوي).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015