فأما كون الفعل مأمورًا به وكونه واجبًا عليه فلا يتوقف على تلك القدرة بل يتوقف ذلك على سلامة الآلات وصحة الأسباب، فتكون القدرة الحقيقية شرطًا لوجود الفعل لا لكون الفعل مأمورًا به، فإن المأمور به يؤمر به قبل أن توجد تلك القدرة.
ومعنى قوله: (وذلك شرط الأداء دون الوجوب) أي شرط تحقق الأداء لا شرط نفس الوجوب بالدليل وجوب الصلاة على النائم والمغمى عليه فيما إذا أغمي دون يوم وليلة.
وقال الإمام شمس الأئمة السرخسي -رحمة الله- فإن الواجب أداء ما هو عبادة، وذلك عبارة عن فعل يكتسبه العبد عن اختيار ليكون معظمًا فيه ربه فينال الثواب، وذلك لا يتحقق بدون هذه القدرة. غير أنه لا يشترط وجودها وقت الأمر لصحة الأمر؛ لأنه لا يتأدى المأمور به بالقدرة الموجودة وقت الأمر بحال، وإنما يتأدى بالموجود منها عند الأداء وذلك غير موجود سابقًا على الأداء، فإن الاستطاعة لا تسبق الفعل وانعدامها عند الأمر لا يمنع صحة الأمر، ولا يحرجه من أن يكون حسنًا بمنزلة انعدام المأمور، فإن النبي عليه السلام كان رسولًا إلى الناس افة. قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ)؛ وقال: (نَذِيرًا لِلْبَشَرِ) ولا شك أنه أمر جميع من أمرسل إليهم بالشرائع، ثم صح الأمر في