وعلى هذا غاصب المدبر فإن المدبر مال متقوم مملوك في الجملة فينعقد السبب للغاضب الأول فيه على أن يعمل في بدله حتى رجع بالضمان على الغاضب الثاني.
وكذلك شهود الكتابة إذا رجعوا وضمنوا للولي القيمة كان لهم أن يرجعوا على الكاتب ببدل الكتابة ولم يملكوا رقبة المكاتب مملوكًا، ولكن لما كان المكاتب مملوكًا انعقد السبب في حقهم على ان يكون عاملًا في بدله وهو بدل الكتابة فيملكون بدل الكتابة بذلك وإن لم يملكوا رقبة المكاتب فهذا مثله.
وأبو حنيفة- رضي الله عنه- يقول: الشهود ضمنوا لإتلافهم المشهود عليه حكما والمتلف لا يرجع بما ضمن على غيره كالولي؛ وهذا لأنهم لو لم يكونوا متلفين ما كانوا ضامنين مع المباشر للإتلاف؛ لأن مجرد السبب يسقط اعتباره في مقابلة المباشرة.
ألا ترى أنه لو دفع انسانًا في بئر حفرها غيره في الطريق كان الضمان على الدافع دون الحافر، وهنا لما ضمن الشهود عررفنا أنهم جناة متلفون للنفس حكمًا وإن كان تمام ذلك الإتلاف عند استيفاء الولي، فأن استيفاء الولي بمنزلة شرط مقرر لجنايتهما ومن ضمن بجانيته على النفس لا يرجع على غيره.