لأنهما ألجأ القاضي إلى القضاء بالقتل، فإنه يخاف العقوبة إن امتنع من ذلك، والملجئ مباشر حكمًا فصار كالمكره.
قلنا: إن الشاهد غير مباشر لا حقيقة ولاص حكمًا ولا معنى؛ لما ذكره من الإلجاء؛ لأن القاضي إنما يخاف العقوبة في الآخرة ولا يصير ملجئًا، فكل أحد يقيم الطاعة خوفًا من العقوبة على تكرها في الآخرة، ولا يصير به مكرها، ثم إن وجد هذا الإلجاء في حق القاضي فبمجرد القضاء ما صار المقضي عليه مقتولًا، وإنما صار مقتولًا باستيفاء الولي وهو غير ملجئ إلى ذلك، بل هو مندوب إلى العفو شرعًا.
فإذا لم يجب القود عليهما كان عليهما الدية إن رجعا، وعلى أحدهما نصف الدية إن رجع؛ لأن كل واحد منهما مسبب لإتلاف نصف النفس، فإن رجع الولي معهما أو جاء المشهود بقتله حيًا فلولي المقتول الخيار بين أن يضمن الشاهدين الدية وبين أن يضمن القاتل؛ لأن القاتل متلف للنفس حقيقة والشهود متلفون لها حكمًا.
والإتلاف الحكمي في حكم الضمان كالإتلاف الحقيقي فكان له أن يضمن أيهما شاء، فإن ضمن الولي القاتل الدية لم يرجع على الشاهدين بشيء؛