في هذا الجانب بالدليل القطعي، وهو رؤيته ذلك في هذا الجانب، فكذلك ها هنا لما ثبت صفة الكمال لله تعالى بالدلائل القطعية لم يجز إبطالها بسبب الجهل بطريق الثبوت، وفي هذا حكاية، وهي أن جهنم بن صفوان الترمذي كان يدعو الناس إلى مذهبه الباطل، وهو أن الله تعالى عالم لا علم له، قادر لا قدرة له، وكذا في سائر الصفات. وكان جلس يومًا يدعو الناس إلى هذا المذهب، وحوله أقوام كثيرة إذ جاء أعرابي، ووقف حتى سمع مقالته، فأرشده الله تعالى إلى علم بطلان هذا المذهب، فأنشأ يقول:
ألا إن جهمًا كافر بان كفره ... ومن قال يومًا قول جهم فقد كفر
لقد جن جهنم إذ يسمى إلهه ... سميعًا بلا سمع بصيرًا بلا بصر
عليمًا بلا علم، رضيًا بلا رضا ... لطيفًا بلا لطف، خبيرًا بلا خبر
أيرضيك أن لو قال يا جهم ... قائل: أبوك امرؤ حر خطير بلا خطر
مليح بلا ملح بهي بلا بها ... طويل بلا طول يخالفه القصر
حليم بلا حلم، وفي بلا وفا ... فبالعقل موصوف وبالجهل مشتهر
جواد بلا جود، قوي بلا قوى ... كبير بلا كبر، صغير بلا صغر
أمدحًا تراه أم هجاء وسبة ... وهزءًا كفاك الله يا حمق البشر
فإنك شيطان بعثت لأمة ... تصيرهم عما قريب إلى سقر