(فصار مؤنة باعتبار الأصل) أي صار الخراج مؤنة بالنظر إلى الأصل وهو الأرض (وعقوبة باعتبار الوصف) وهو الزراعة تقديرًا أو تحقيقًا؛ لأن اعتبار الوصف يوجب كونه عقوبة؛ لأنه اشتغال بعمارة الدنيا وإعراض عن الجهاد، فلذلك كان الخراج في الأصل على الكافر الذمي حيث لم يقبل الإسلام واشتغل بعمارة الدنيا فوضع عليهم الخراج لضرب من الذلة، والاشتغال بالزراعة يصلح سببًا للذلة كما قال عليه السلام ((إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر فقد ذللتم وظفر بكم عدوكم)) ولهذا لا يجتمعان عندنا؛ لأن الخراج لا ينفك عن وصف العقوبة، والعشر لا ينفك عن وصف العبادة فلم يجتمعا، ولأن سببيهما بطريق الأصالة واحد وهو الأرض فلا يجتمع وظيفتان بسبب واحد، ولا يقال: إن وجود الخارج لا ينفك عنا لزراعة ومع ذلك يجب العشر؛ لأنا نقول: اعتبر في حق وجوب العشر اكتساب المال فقط كاكتساب مال يجب فيه الزكاة؛ لأن عمارة الدنيا والاشتغال بها في حق الكفار أصل وفي حق المسلمين عارض، فلا يعتبر العارض في جعل العشر عقوبة به.