قال الشيخ (ثامر بن عبد الرحمن نصيف)، في مقال له بموقع (الملتقى الفقهي)، ما نصه
-[تصحيح الخطأ في نسبةِ "مختصر الأصول" للشيخ أبا بطين رحمه الله]-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإنَّ من الكتب التي قد طُبعت هذا العام وأخرجتْه "دارُ عالم الفوائد" محقَّقًا: "مختصرٌ في علم أصول الفقه"، تأليف الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز أبا بُطين (ت1282هـ) رحمني الله وإياه، وقد حقَّقَه فضيلة الأستاذ الدكتور: الوليد بن عبد الرحمن بن محمد آل فريَّان، وفَّقه الله تعالى.
وكان من تقدير الله سبحانَه وتعالى: اطلاعي على نظم "بغية الآمل" للإمام الصنعاني رحمه الله، الذي نظم فيه كتابَ "الكافل" للعلامة: محمد بن يحيى بهران، الزيدي (ت957هـ) رحمه الله تعالى، وقال عنه في النظم المذكور:
"وبعدُ: فالكافلُ في الأصولِ مُختصَرٌ قَدْ خُصَّ بالقَبُولِ، لأنَّهُ مُهَذَّبٌ موضَّحُ مُحَرَّرٌ محقّقٌ منقَّحُ"
ومتن "الكافل" مطبوعٌ، وعليه عدة شروح، أذكرُ منها اثنين:
1 - "الكَاشِفُ لذوي العقول عن وجوه معاني الكافل بنيل السؤول [كذا ولعلها: السول] "، لأحمد بن محمد لقمان (ت1039هـ)، تحقيق الدكتور: المرتضى بن زيد الْمَحَطْوَرِي الحسني.
وللمحقِّقِ كذلك شرحٌ مختصرٌ على نفسِ المتنِ.
وكلا الشرحَين عندي.
2 - "الأنوار الهادية لذوي العقول إلى معرفة مقاصد الكافل بنيل السُّول في علم الأصول"، لأحمد بن يحيى حابس (ت:1061هـ). عندي منه نسخة خطية، ولا أعلمه مطبوعًا.
لاحظتُ ذلك عندما كنتُ أقرأ في "المختصر" فظننتُ بادئ الأمر وفي أوائل المسائل: أنَّ الكتابَين يأخذان من كتابٍ واحدٍ، ثم شيئًا فشيئًا، وبعدَ المقابلةِ والمراجعة من أول الكتاب وآخره ووسطه = تيقَّنتُ أنهما واحد، والله المستعان.
كيفَ حصلَ ذلك؟! وكيفَ يُنسبُ هذا الكتاب لأحدِ علماء السنة؟! لا أعرف، ولستُ أُقَلِّلُ بهذا الكلام من قدر المحقِّقِ وعملِه؛ فإنَّه قد ترجَّحَ لدَيه أنَّ الكتابَ للشيخِ (أبا بُطين) -رحمنا الله وإياه- وذَكَرَ ذلك في دراستِه، وذلك اجتهادُه، وهو مأجورٌ إن شاء الله تعالى.
بل على العكسِ، أقول: جزاه اللهُ خيرًا على طباعتِه هذا "المختصر"، وأثابَه على حسنِ نيَّتِه فيما أراد مِن بيانِ شيءٍ مِنْ جهود أئمة الدعوة، رحمنا الله وإياهم أجمعين.
لكنِّي مع ذلك أنبِّه على أنَّ "المختصرَ" وإن لم يظهر أنه هو متن "الكافل" وقتَ تحقيقِه، فإنَّه في المقابلِ لا بدَّ من توثيقِ النِّسْبَةِ قبلَ ذلكَ بيقينٍ، خاصَّةً وأنَّ الكتابَ فيه مسائلُ قد يُستغرَبُ أنْ تَصْدُرَ من الشيخِ (أبا بُطين) أحدِ علماء الحنابلة ومن أهل السنة رحمني الله وإياهم أجمعين.
وهذه إشاراتٌ سريعةٌ أذكرُ فيها بعض المواضع المستغربة، مع بيانِ مواضِعِها من الشرحَين المذكورَين آنفًا:
1 - قوله: "والفاسدُ هو: المشروعُ أصلُه، الممنوعُ بوصفه. وقيل: مرادف الباطل" [انظر: (المختصر: 49 - 50)، (الكاشف: 38 - 39)، (الأنوار الهادية: 8/ب)].
2 - قوله: "ولا يُؤخَذُ بأخبارِ الآحادِ في الأصول"!! [انظر: (المختصر:56)، (الكاشف:93)، (الأنوار الهادية: 23/أ)].
3 - قوله: "والصحابي من طالتْ مجالستُه للنبي صلى الله عليه وسلم متبعًا لشرعه. وكل الصحابةِ عدولٌ إلا مَنْ أبى"!! [انظر: (المختصر: 59)، (الكاشف:114، 116)، (الأنوار الهادية:27/أ-ب)].
4 - قوله: "وأنه لا يصِحُّ إجماعٌ بعدَ الإجماعِ على خلافِهِ ... قال الأكثر: ولا بأهل البيت وحدهم لذلك [يعني لكونهم بعض الأمة]، وقال أصحابُنا: جماعتهم معصومة ... " [انظر: (المختصر:61 - 62)، (الكاشف:144 - 149)، (الأنوار الهادية:33/أ-ب)].
5 - قوله: "وأما الظنية العملية = فكل مجتهد فيها مصيب" [انظر: (المختصر: 107)، (الكاشف: 421)، (الأنوار الهادية: 104/ب)].
وقد ذكر أحد الإخوة في ملتقى أهل الحديث أنَّ الشيخَ: سعد الشثري -حفظه الله- شاك في نسبة الكتاب إلى الشيخ (أبا بطين) رحمه الله، وأنه لا يَتَصور مع قوة الشيخ (أبا بطين) رحمه الله أن يقول بأن كل مجتهد مصيب!
والمقصودُ: بيانُ أنَّ هذا "المختصر" هو متن "الكافل" نفسه، حتى في مقدمة المصنف للكتاب، بل من لطيف الأمر في المقدمة إشارةُ المصنف إلى اسم كتابه بقوله: "فهذا مختصر في علم أصول الفقه، قريب المنال، غريب المنوال، كافلٌ لمن اعتمده إن شاء الله ببلوغ الآمال وارتفاع ذروة الكمال" [انظر: (المختصر:47)، (الأنوار الهادية:4/أ-ب)].
وأنبه على أنه ليس من هِمَّتي الآن أن أبيِّنَ سبب الخطأ في نسبة المختصر للشيخ (أبا بطين) رحمه الله، بل الذي أقصِدُهُ هو إثبات النسبة الصحيحة لصاحبِ الكتاب، وأنَّ هذا الكتاب لا تصِحُّ نسبتُه إلى أحدٍ من علماءِ السنة رحمني الله وإياهم أجمعين.
ولعلَّ فضيلة الشيخِ محقِّق الكتاب أو المشرف على "دار عالم الفوائد" -وفقني الله وإياهم- يبذلون مزيدًا من التحرِّي في نسبة الكتاب "المختصر"، أو يتم تصحيح نسبته لمؤلِّفِهِ الحقيقي.
هذا ما ظهرَ لي، فإن يكن صوابًا فمن الله عَزَّ وجلَّ، وإن يكن خطأً فمن نفسي ومن الشيطان، واللهُ ورسولُه بريئان من ذلك.
والحمد لله، وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
(ثامر نصيف)
المحاضر بقسم أصول الفقه
بالجامعة الإسلامية - المدينة المنورة
الخميس: 5/ 12/1431 هـ