والذي ضرب المثل أحد ملاحدة العرب، وكتب السنة تذكر أن هذا الكافر الملحد جاء بعظم بالي، ثم فتته، ثم نفخه، ثم قال للرسول صلى الله عليه وسلم: " يا محمد! أتزعم أن الله يبعث هذا؟ ". فأنزل الحق تبارك وتعالى هذه الآيات معيِّراً هذا الكافر بجهله وضلاله (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [يس: 78] ، فإنه لو كان لبيباً عاقلاً لم يسأل هذا السؤال، لأن وجوده وخلقه في هذه الحياة يجيب على السؤال، وقد وضح النص هذا المعنى الذي أجمله في البداية فقال: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [يس: 79] .

1- " فاحتج بالإبداء على الإعادة، وبالنشأة الأولى على النشأة الأخرى، إذ كل عاقل يعلم ضرورياً أن من قدر على هذه قدر على هذه. وأنه لو كان عاجزاً عن الثانية لكان عن الأولى أعجز وأعجز.

ولما كان الخلق يستلزم قدرة الخالق على المخلوق، وعلمه بتفاصيل خلقه أتبع ذلك بقوله: (وهو بكل خلقٍ عليم) [يسم: 79] . فهو عليم بتفاصيل الخلق الأول وجزئياته، ومواده وصورته، فكذلك الثاني، فإذا كان تام العلم، كامل القدرة، كيف يتعذر عليه أن يحي العظم وهي رميم؟ " (?) .

2- " ثمَّ أكد الأمر بحجة قاهرة وبرهان ظاهر، يتضمن جواباً عن سؤال ملحد آخر يقول: العظام إذا صارت رميماً عادت طبيعتها باردة يابسة، والحياة لا بد أن تكون مادتها وحاملها طبيعة حارة رطبة بما يدل على أمر البعث، ففيه الدليل والجواب معاً، فقال: (الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015