أمهاتها، وأسماك تملأ البحر والنهر، يرى الإنسان ذلك كله بأم عينيه، ثم ينكر أن يقع مثل ذلك مرة أخرى بعد أن يبيد الله هذه الحياة.
إن الذين يطلبون دليلاً على البعث بعد الموت يغفلون عن أن خلقهم على هذا النحو أعظم دليل، فالقادر على خلقهم، قادر على إعادة خلقهم، وقد أكثر القرآن من الاستدلال على النشأة الآخرة بالنشأة الأولى، وتذكير العباد المستبعدين لذلك بهذه الحقيقة (وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا - أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) [مريم: 66-67] .
ويذكرنا القرآن في موضع آخر بالخلق الأول للإنسان، فأبونا آدم خلقه الله من تراب، فالقادر على جعل التراب بشراً سوياً، لا يعجزه أن يعيده بشراً سوياً مرة أخرى بعد موته، ويُذَكِّر أيضاً بخلقنا نحن - ذرية آدم - فإنه خلقنا من سلالة من ماء مهين، تحوَّل هذا الماء فأصبح نطفة، ثم صارت النطفة علقة، ثم تحولت إلى مضغة.. إلى أن نفخ فيها الروح، وجعلها إنساناً سوياً. فالقادر على هذا الخلق المشاهد المعلوم، قادر على إعادة الخلق، وإحياء الموتى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ - ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ) [الحج: 5-7] .