القيامه الكبري (صفحة 229)

عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقتص الخلق بعضهم من بعض حتى الجماء من القرناء، وحتى الذَّرة من الذَّرة ".

وفي المسند أيضاً عن أبي هريرة يرفعه: " ألا والذي نفسي بيده ليختصمن كل شيء يوم القيامة، حتى الشاتان فيما انتطحتا ".

وروى أحمد بإسناد صحيح عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنطحان، فقال: أبا ذر، هل تدري فيم تنطحان؟

قال: لا.

قال: ولكن الله يدري، وسيقضي بينهما " (?) .

كيف يقتص من البهائم وهي غير مكلفة؟

أشكل على كثير من أهل العلم هذا الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من حشر البهائم والاقتصاص لبعضها من بعض، وقد وضح هذا النووي في شرحه على صحيح مسلم فقال: " هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة، وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين، وكما يعاد الأطفال والمجانين، ومن لم تبلغه دعوة. وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة، قال الله تعالى: (وإذا الوحوش حشرت) [التكوير: 5] ، وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع، وجب حمله على ظاهره. قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب. وأما القصاص من القرناء الجلحاء فليس هو من قصاص التكليف، إذ لا تكليف عليها، بل هو قصاص مقابلة، و (الجلحاء) بالمد هي الجماء التي لا قرن لها. والله أعلم ".

قال الشيخ ناصر الدين الألباني بعد إيراده هذه الفقرة من كلام النووي:

وذكر نحوه ابن مالك في (مبارق الأزهار) (2/293) مختصراً. ونقل عنه العلامة الشيخ علي القاري في (المرقاة) (4/761) أنه قال:

" فإن قيل: الشاة غير مكلفة، فكيف يقتص منها؟ قلنا: إن الله تعالى فعال لما يريد، ولا يسأل عما يفعله، والغرض منه إعلام أن الحقوق لا تضيع، بل يقتص حق المظلوم من الظالم ".

قال القاري: " وهو وجه حسن، وتوجيه مستحسن، إلا أن التعبير عن الحكمة بـ (الغرض) وقع في غير موضعه. وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف، والقوي والضعيف؟ ".

وعقب على هذا الشيخ ناصر قائلاً: " ومن المؤسف أن ترد كل هذه الأحاديث من بعض علماء الكلام بمجرد الرأي، وأعجب منه أن يجنح إليه العلامة الألوسي! فقال بعد أن ساق الحديث عن أبي هريرة من رواية مسلم ومن رواية أحمد بلفظ الترجمة عند تفسيره آية: (وإذا الوحوش حشرت) [التكوير: 5] في تفسيره: (روح المعاني) (9/3006) :

" ومال حجة الإسلام الغزالي وجماعة إلى أنه لا يحشر غير الثقلين لعدم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015