وتفضل وَأما ذَلِك القَاضِي الْمُقَلّد فَهُوَ منغص الْعَيْش منكد النِّعْمَة مكدر اللَّذَّة لِأَنَّهُ لما يرد عَلَيْهِ من خُصُومَة الْخُصُوم ومعارضة المعارضين ومصادرة الممتنعين من قبُول أَحْكَامه وامتثال حلّه وإبرامه فِي هموم وغموم ومكابدة ومناهدة ومجاهدة وَمَعَ هَذَا فَهُوَ متوقع لتحويل الْحَال والاستبدال بِهِ وغروب شمسه وركود رِيحه وَذَهَاب سعده عِنْد نحسه وشماتة أعدائه ومساءة أولياءه فَلَا تصفو لَهُ رَاحَة وَلَا تخلص لَهُ نعْمَة بل هُوَ مَا دَامَ فِي الْحَيَاة فِي أَشد الْغم وَأعظم النكد كَمَا قَالَ المتنبي
أَشد الْغم عِنْدِي فِي سرُور ... تنقل عَنهُ صَاحبه انتقالا
وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ محسودا مُعَارضا من أَمْثَاله فَإِنَّهُ لَا يطْرق سَمعه إِلَّا مَا يكدره فحينا يُقَال لَهُ النَّاس يتحدثون أَنَّك غَلطت وجهلت وحينا يُقَال لَهُ قد خالفك القَاضِي الْفُلَانِيّ أَو الْمُفْتِي الْفُلَانِيّ فنقض حكمك وَهدم علمك وغض من قدرك وَحط من رتبتك وَقد يَأْتِيهِ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فَيَقُول لَهُ جهارا أَو كفاحا لَا أعمل على حكمك وَنَحْو ذَلِك من الْعبارَات الخشنة فَإِن قَامَ وناضل عَن حكمه ودافع فَهِيَ قومة جَاهِلِيَّة ومدافعة شيطانية