ويعلم أنها ليست شعاراً للنصر على أولياء الله وأهل الحق، وعلى منوالها قال أبو المغيرة ابن عم ابن حزم في رده عليه بعد أن ذمه:

وغاصب حقٍّ أوبقته المقادر ... يذكّرني حاميم والرمح شاجر

غدا يستعير الفخر من خيم خصمه ... ويجهل أنّ الحقّ أبلج ظاهر

ألم تتعلّم يا أخا الظّلم أنّني ... برغمك ناهٍ منذ عشرٍ وآمر (?)

ولذلك أعربوا حاميم إعراب ما لا ينصرف لأنها شعار، والشعار أو العنوان كاسم السورة لا ينصرف، لذلك "قال أبو عبيد: هكذا يقول المحدثون لا ينصرون بالنون، وإعرابها لا ينصروا" (?)، وهذا لأنها شعار ولو كانت جملة لكان إعرابها كما قال، والرسول - صلى الله عليه وسلم - أفصح من نطق بالعربية، ومن استدل بهذا البيت على أنه جعل حم اسماً للسورة فقد وهم، فأي سورة من ذوات حم قصد وهي سبع سور، ومن قال إن محمداً بن طلحة كان يناشد من يحمل عليه بحاميم، فقد وهم أيضاً فهذا صنيع الجبان، وليس لقاتله أن يفخر بقتله إن كان كذلك، أما قائل هذا البيت فقد تفاخر بقتله صنديداً شجاعاً يتغنى بشعار النصر على أعدائه، وقد ذكر ابن الأثير أن التقدم كان بإمساك خطام الجمل الذي عليه عائشة - رضي الله عنها - وقُتل كثير ممن تقدم وأمسك به، وكان ممن أخذ بخطام الجمل محمد بن طلحة، "فجعل لا يحمل عليه أحد إلا حمل عليه، وقال: حاميم لا ينصرون، واجتمع عليه نفر، كلهم ادعى قتله" (?)، وهو من سمّاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - محمداً على اسمه، (?) وأبوه طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن المشهورين في الشجاعة والاستبسال، وقد شلت يده يوم أحد من دفاعه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - (?)، وابنه إبراهيم بن محمد بن طلحة كان يلقب بأسد الحجاز (?)، ومن كان مثل محمد بن طلحة، لا يكون بحال كما صوره بزعمهم.

ويروى عن ابن مسعود أنّه قال: "إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات، أتأنق فيهن" (?)، أي" أُعْجَب بهنَّ وأَسْتَلِذ قراءتهن وأتتبَّع محاسنهنَّ" (?)، وقال أيضاً: "آل حم ديباج القرآن" (?)، وقد أتى فيها إشارة وبيان لسبب عجز وإعجاز المشركين العرب عن الرد، وهم أهل هذه الحروف وأهل الفصاحة بنطقها وفنون نظمها، مع العلم بأنهم حاولوا جاهدين إيجاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015